الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام: 1- الدنيا في الخطبة الشقشقية

مقالات وبحوث

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام: 1- الدنيا في الخطبة الشقشقية

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-07-2022

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
قال عليه السلام في خطبة له المعروفة بالشقشقية والمقمصة:
((أَمَا واللَّه لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وإِنَّه لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى... ــ إلى أن يقول عليه السلام في مبايعته عليه السلام: -فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ ، ومَرَقَتْ أُخْرَى وقَسَطَ([1]) آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا (اللَّه سُبْحَانَهُ يَقُولُ)([2]) : {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَساداً  والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }([3])، بَلَى واللَّه لَقَدْ سَمِعُوهَا ووَعَوْهَا ، ولَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ ورَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا..([4]).

شرح الألفاظ الغريبة:
تَقَمَّصَهَا: لبسها كالقميص.
نَكَثَتْ طَائِفَةٌ: نَقَضَتْ عهدها، وأراد بتلك الطائفة الناكثة أصحاب الجمل وطلحة والزبير خاصّة.
ومَرَقَتْ أُخْرَى: خَرَجَتْ: وفي المعنى الديني: فَسَقَتْ، وأراد بتلك الطائفة المارقة الخوارج أصحاب النهروان.
وقَسَطَ آخَرُونَ: جاروا، وأراد بالجائرين أصحاب صفّين.
حَلِيَتِ الدُّنْيَا: من حليت المرأة إذا تزيّنت بحُليّها.
ورَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا: الزينة من وشي أو جوهر([5]).

شرح ابن ميثم البحراني:
قوله: ((فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وفسق آخرون)).
أراد بالناكثين طلحة والزبير؛ لأنهما بايعاه ونقضا بيعته بخروجهما عليه، وكذلك من تبعهما ممّن بايعه، وبالمارقين: الخوارج، وبالقاسطين أو الفاسقين: أصحاب معاوية.
وهذه الأسماء سبقت من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذ حكى في موضع آخر أنّه أخبره بأنّه سيقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين بعده.
وإنّما خصّ الخوارج بالمروق؛ لأنّ المروق وهو مجاوزة السهم للرمية وخروجه منها، ولما كانت الخوارج أولاً منتظمين في سلك الحقّ إلاّ أنّهم بالغوا بزعمهم في طلبه إلى أن تعدّوه وتجاوزوه، لاجرم حسن أن يستعار لهم لفظ المروق؛ لمكان المشابهة.

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنهم بهذا اللفظ إذ قال: يمرقون من الدنيا كما يمرق السهم من الرمية.
وأمّا تخصيص أهل الشام بالفاسقين؛ فلأنّ مفهوم الفسق أو القسط هو: الخروج عن سنن الحقّ، وقد كانوا كذلك بمخالفته عليه السلام والخروج عن طاعته؛ فكان إطلاق أحد اللفظين عليهم لذلك.
قوله: ((كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّه يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ، لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَساداً ، والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }([6]).

تنبيه لأذهان الطوائف الثلاثة  المذكورة، ومن عساه يتخيّل أنّ الحقّ في سلوك مسالكهم على أنّ ما فعلوه من المخالفة عليه والقتال له؛ إنّما هو طلب للعلوّ، والمفاخرة في الدنيا المستلزم للسعي في الأرض بالفساد، وإعراض عن الدار الآخرة، وحسم لمادّة إعذارهم، أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين([7])، فيقولوا عند لقاء ربّهم لو سمعنا هذه الآية ووعيناها؛ لما ارتكبنا هذه الأفعال.
ويزعمون أنّ الحقّ في هذه المتّصلة هو استثناء نقيض تاليها؛ لينتج لهم نقيض مقدّمها، وتقديره عليه السلام لهذا العذر لهم، على سبيل التهكّم بهم، وأنّه لا عذر لهم في الحقيقة ممّا فعلوه.
ثمّ أراد عليه السلام تكذيبهم في ذلك العذر على تقدير ا عتذارهم به فأشار إلى مكذّب النتيجة بوضع نقيضها مؤكّداً بالقسم البارّ، وإلى منع لزوم هذه المتّصلة بقوله: ((بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنّه حليت الدنيا في أعينهم)).
ونبّه على أنّ وضع المقدّم المذكورة في المتّصلة لا يستلزم تاليها مطلقاً؛ بل استلزامه له موقوف على زوال مانع هو حاصل لهم الآن وذلك المانع هو غرور الدنيا لهم بزينتها، وإعجابهم بها، وعلى تقدير حصول المانع المذكور؛ جاز أن يجتمع هذا المقدّم مع نقيض التالي المذكور، وهو ارتكاب ما ارتكبوه من الأفعال([8]))[9].

الهوامش:
([1]) في نهج البلاغة للشيخ العطّار: وفسق.
([2]) ما بين القوسين في نهج البلاغة لابن ميثم ونهج محمد عبده: كلام الله حيث يقول.
([3]) القصص: 83.
([4]) نهج البلاغة لصبحي صالح: 48 – 50/ خطبة رقم 3، ونهج البلاغة للشيخ العطار: 56- 59/ خطبة رقم3، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 1: 249- 250/ خطبة رقم3، ونهج البلاغة لمحمد عبده 1: 34- 41,
([5]) شرح الألفاظ الغريبة لصبحي صالح: 565 و567.
([6]) القصص: 83.
([7]) اقتباسّ من الآية 172 من سورة الأعراف.
([8]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 1: 265-266/ ضمن شرح الخطبة رقم3.
[9] لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 10-12.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3099 Seconds