من الأمثال العربية في نهج البلاغة استخدامه للمثل الشعري: قوله: (فإن تسألني كيف أنت فإنني          صبور على ريب الزمانِ صليبُ)

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة استخدامه للمثل الشعري: قوله: (فإن تسألني كيف أنت فإنني صبور على ريب الزمانِ صليبُ)

8K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-10-2022

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم – الجامعة العربية.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..

وبعد:
فقد تمثل الإمام علي عليه السلام بالشعر كما ثبته الرضي (رحمه الله) في كتاب نهج البلاغة وهذا يبين أهتمام الإمام عليه السلام بالشعر العربي ومعرفته التامة بنوعيته وأصالته لما له من قوة بيان، ومنه، قوله عليه السلام متمثلاً بقول الشاعر:

فإن تسألني كيف أنت فإنني          صبور على ريب الزمانِ صليبُ [1]
يعـزُّ عليّ أن تُرى بي كــــآبـــة         فيشمت عــــادٍ أويُســاء حبيبُ

هذه الأبيات التي تمثل بها الإمام ضمن جواب كتاب أرسله إلى أخيه عقيل بن أبي طالب (رضى الله عنه) في ذكر جيش أنفذه معاوية بقيادة الضحاك بن قيس[2] عندما دعاه معاوية مخاطباً إياه: سر حتى تمر بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه وإن وجدت له مسلحة أو خيلاً فأغـر عليهما....[3] ولما سمع الإمام علي (عليه السلام) خرج الناس
وحثهم على القتال،  وعقد لحجر بن عدي الكندي[4] في أربعة آلاف ثم سرحه ووافق بناحية تدمر فاقتتلوا وفرّ الضحاك بأصحابه.

ومن جملة ما جاء في كتاب الإمام علي (عليه السلام) لأخيه عقيل (رضي الله عنه) (فسرحت إليه جيشاً كثيفاً من المسلمين فلما بلغه ذلك شمر هارباً ونكص نادماً... وأما سألت عنه في رأيي في القتال - فإن رأيي في قتال المحلين حتى ألقى الله)[5].
وفي الكتاب نفسه يذكر (فدع عنك قريش وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق وجماحهم في التيه فإنهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلي)[6].

والشعر منسوب إلى العباس بن مرداس* السلمي والبيتان المنسوبان إلى العباس بن مرداس[7] ظاهرا المعنى.
وفي الأمثال الحكمية: (لا تشكو من حالك إلى مخلوق مثلك فإنه إن كان صديقاً أحزنته وإن كان عدواً أشمته ولا خير في واحد من الأمرين)[8].
والتمثيل عند الإمام كان رائعاً فهو يشبه نفسه بنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف كانت قريش قد خرجت على حربه (معركة بدر،  معركة أحد،  معركة الخندق....) وهذا الكلام حق كما وصفه ابن أبي الحديد: فإن قريشاً اجتمعت على حربه منذ يوم بويع بغضاً له وحسداً وحقداً[9].
 فأصفقوا عليه كلهم يد واحدة على شقاقه وحربه كما كانت حالهم في ابتداء الإسلام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وجواب الكتاب يوضح موقفاً تاريخياً مهما بين الإمام علي بن أبي طالب وأخيه عقيل،  الذي راسلهُ مستفسراً عن حاله،  وإنه سمع عند قدومه إلى مكة أهلها يتحدثون: أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة وقد توهمت،  حيث بلغني،  أن شيعتك وأنصارك خذلوك.....).
فكتب إليه الإمام جواباً لكتابه، وذكر له حادثة غارة الضحاك بن قيس المارة الذكر.
وكتاب عقيل وجواب الإمام (عليه السلام) إليه مدون في مصادر أقدم من الشريف الرضي فقد ذكره الثقفي[10] وأبو الفرج الاصفهاني[11] فيكون كتاب عقيل (رضي الله عنه) وجواب الإمام (عليه السلام) حجة قوية على الذين يتقولون بأن عقيلاً قد فارق أخاه علياً (عليه السلام) وحادثة غارة الضحاك[12] كانت سنة 39 هجرية في أواخر أيام أمير المؤمنين عليه السلام)[13].

الهوامش:
[1]- نهج البلاغة، 3/ ص547، كتاب رقم (274).
[2]- الضحاك بن قيس: الضحاك بن قيس الفهري (ت 64هـ) أبو أنيس قتله مروان بن الحكم في مرج راهط،  بعد أن بايع عبد الله بن الزبير،  مختلف في صحبته،  كان من أصحاب معاوية بن أبي سفيان،  ترجمته: ابن سعد: الطبقات الكبرى 5/39، البخاري: التاريخ الكبير 5/322،  البلاذري: أنساب الأشراف ص437،  ابن حيان: مشاهير علماء الأنصار ص91،  ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق 34/287 ؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/341 ؛ السيوطي: أسعاف المبطأ برجال الموطأ ص49.
[3]- إبراهيم الثقفي: الغارات، 2/421.
[4]- حجر بن عدي  بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين،  كان جاهلياً اسلامياً وفد هو وأخوه هاني إلى النبي (صلى الله عليه واله) وهو الذي فتح مرج عذراء،  وكان من أصحاب علي شهد الجمل وصفين،  قتله معاوية بن أبي سفيان بمرج عذراء سنة 53هـ واحتجت  عائشة على قتله ـ ترجمته: ابن سعد: الطبقات الكبرى: 3/216 - 217،  الطبري: تاريخ الرسل والملوك 4/200 حوادث سنة 53 وما بعدها،  ابن حيان: الثقات 1/176 ؛ ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق 12/307 ؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء: 3/412.
[5]- إبراهيم الثقفي: الغارات 2/547.
[6]- المصدر نفسه 2/547.
* مرداس: الحصاة التي يرى بها في البئر هل فيه ماء أو لا،  ينظر: ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص59.
[7]- العباس بن مرداس: العباس بن مرداس السلمي (ت 18هـ) أبو الهيثم شاعر وفارس من سادات قومه أمه الخنساء،  أدرك الجاهلية والإسلام،  أسلم قبل الفتح وكان من المؤلفة قلوبهم،  ويدعى فارس البيد بالتصغير وهو فرسه وكان بدوياً قحاً ولم يسكن مكة ولا المدينة،  مات في خلافة عمر بن الخطاب،  ترجمته: ابن قتيبة: المعارف 336،  ابن الأثير الكامل في التاريخ 2/270،  ابن كثير: البداية والنهاية 2/417،  الصفدي: الوافي بالوفيات 16/363،  الزركلي: الأعلام 3/214.
[8]- ابن أبي الحديد 16/152.
[9]- شرح النهج، 16/153.
[10]- الغارات، 2/435.
[11]- الأغاني 15/44.
[12]- الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/318.
[13]- لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 144 – 147.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2739 Seconds