مناقشة قول ابن الجوزي (ت 597هـ) وتأويله للإرث في آية {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} بــ: (أن زكريا كان نجارًا ولم يكن ذا مال) وبيان معارضتها للقرآن والسُنَّة.

مقالات وبحوث

مناقشة قول ابن الجوزي (ت 597هـ) وتأويله للإرث في آية {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} بــ: (أن زكريا كان نجارًا ولم يكن ذا مال) وبيان معارضتها للقرآن والسُنَّة.

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-01-2023

بقلم : السيد نبيل الحسني .

لم يخرج ابن الجوزي عن الاَحتكام الى سُنّة الشيخين كما هو حال جميع أعلام أهل السُنَّة والجماعة وإن كانت هذه السُنَّة معارضة للقرآن وسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما هو في عيّنة الدراسة، أي: وراثة الأنبياء (عليهم السلام) ، فقد كان الأصل في الإرث بينهم حديث أبي بكر (لا نورِّث) وليس محكم التنزيل، وهو على النحو الآتي:
قال في زاد المسير في بيان قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} بعد أن أورد الاختلاف بين المفسرين حول ماهية هذا الإرث فرجح عنده أن الصحيح هو عدم توريث المال، فلاحظ قوله:
(والصحيح: أنه لم يرد ميراث المال لوجوه:
(أحدها: أنه صح عن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، أنّه قال:
"نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث، ما تركناه صدقة".
والثاني: أنّه لا يجوز أن يتأسف نبي الله على مصير ماله بعد موته إذا وصل الى وارثه المستحق له شرعاً.
والثالث: أنه لم يكن ذا مال، وقد روى أبو هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن زكريا كان نجّارًا)[1].

أقول:
1- لم يزل حديث "لا نورِّث" هو الأصل في حكم أعلام أهل السُنَّة - كما مرَّ بيانه مراراً عِبْرَ هذه السلسلة من الدراسة - ، وليس كتاب الله عزّ وجل أو سٌنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل سُنّة الشيخين، ومنها مصادرته لأموال بضعة النبوة (عليها السلام) جهاراً.

2- أما قوله بعدم جواز أن يتأسف نبي الله على مصير ماله، فقد مرَّ بيانه في المسألة السابقة، لكن الأمر المستغرب أن يعيد ابن الجوزي ما ذهب إليه أسلافه ومشايخه دون أن يتأمل في أقوالهم، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وذلك أن البحث في المسألة هو امتناع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام كما يقول أبو بكر فكيف أصبح للأنبياء (عليهم السلام) ورثة؟
 ومن ثم لا يجوز لهم أن يتأسفوا على أموالهم وذلك أنها ذهبت الى المستحقين له شرعا، أي الورثة؛ فهل هم يرثون أم لا يرثون؟!!

3- أما أن نبي الله زكريا (عليه السلام) كان نجّاراً –وعلى فرض صحة قول أبي هريرة – فهذا لا يدل على عدم الإرث، فما علاقة الصناعات والمهن بالإرث، فهل هو محصور في التجار فقط، وأن غيرهم لا يرثون أو يتوارثون؟!
وهل كان نبي الله زكريا (عليه السلام) يمتهن النجارة فقط، فمن أين علم أبو هريرة أنه لم يكن لديه مال؟ فقد تكون هذه الصنعة في زمان زكريا موضع اكتساب جيد وتدر عليه المال، فضلاً عن أن الرزق مرده الى الله تعالى، فهو الرزاق يهبه لمن يشاء من عباده.
وعلى فرض أنّه (لم يكن ذا مال) كما يقول بن الجوزي ، أفلم يكن له أدواته التي يعمل بها في النجارة ، وأثاثه، وملابسه، ومقتنياته الشخصية، أفتكون هذه الأموال صدقة كما يقول أبو بكر في منعه لبنت النبي صلى الله عليه وآله ، أم هي حق الورثة؟!!.
فإن كانت صدقة فما هو عنوانها؟ أهي واجبة أم مندوبة، أم إنها وقف أم عارية!؟ ومن الوصي على هذه الصدقات أو الولي أو الموقوف عليه؟
وإن كانت هذه الأدوات والمقتنيات واللوازم الشخصية مما يورِّث بين الأنبياء فَلِمَ مَنَعَ فاطمة (عليها السلام) من إرثها[2] ؟!

الهوامش:
[1] زاد المسير: ج5 ص 147.
[2] لمزيد من الغطلاع ، ينظر : معرضة حديث لا نورث للقران والسنة واللغة ، السيد نبيل الحسني ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 في دار الوارث كربلاء المقدسة -  العراق لسنة 2021م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2684 Seconds