من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: قال عليه السلام: (وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً، وَلاَ هَرِمَةً، وَلاَ مَكْسُورَةً، وَلاَ مَهْلُوسَةً، وَلاَ ذَاتَ عَوَار)

مقالات وبحوث

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: قال عليه السلام: (وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً، وَلاَ هَرِمَةً، وَلاَ مَكْسُورَةً، وَلاَ مَهْلُوسَةً، وَلاَ ذَاتَ عَوَار)

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-05-2023

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وازل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.
وبعد:
العَوَار - بالفَتْح - العَيْب[1]. وقد تضم عينه، فيقال: عُوار[2].

والعَوَار خَرْق أو شَقّ في الثّوب، وهو عيب فيه[3]. والعَوَر الشين والقبيح والردئ من كل شيء[4].
وقد وردت لفظة (عَوَار) في نهج البلاغة مرة واحدة[5]، للدلالة على الناقةِ ذات العيب والرّداءة. وذلك في قول أمير المؤمنين الذي يعدد فيه الدواب المعيبة التي لا تؤخذ في الصدقات؛ إذ يقول لعامله عليها ((وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً، وَلاَ هَرِمَةً، وَلاَ مَكْسُورَةً، وَلاَ مَهْلُوسَةً، وَلاَ ذَاتَ عَوَار))[6].
أقول: وقد ورد في الحديث النبوي النهَّيُ عن أخذ الهرمة من الإبل وذاتِ العَوَار، وذلك في الحديث ((ولا يْخرَجُ في الصَّدَقَةِ هَرمةٌ، ولا ذاتُ عَوَارٍ...))[7]. و(ذاتُ العَوَار) في الحديث هي ذاتُ العَيْب[8]. والعيوب في الدواب كثيرة، لعل منها (الخَرَقُ) في عقولها، فكأنّها كالثوب الأخرق الذي شُقَّ منه جانب، فصار عيباً فيه. ورُبَّما كان (العَوَار) في هذهِ الدّواب هو (عَوَر العَيْن)، وذهاب حِسَّ إحدى عَيْنيْها. وهو ما يُمَثَّل ضرباً من الرّداءة وقَبْحِ المَنْتَظر في الدّواب.

العَمِدة
العَمِدَة من الإبل هي التي ورم سنامها من عضّ القَتَب والحِلس[9]. وقيل: هي التي انشدخ سنامها من داخله لكثرة الدبر، وثقل الحمل عليها[10]. وهذهِ العلة من علل الإبل تكون في السنام خاصة، وغالبا ماتصير في الإبل ذات السنام الضخم الممتلئ بالشحم، فإذا حمل عليه ثقل كسر ومات فيه شحمه[11]. ولفظة (العَمِدة) من ألفاظ نهج البلاغة، إذ استعملت مرة واحدة[12]. بصيغة الجمع للدلالة على الإبل التي انشدخ سنامها وورم. وذلك على نحو التشبيه بها في حاجتها إلى المداراة والعناية. إذ يقول الإمام مشبهاً حال أصحابه في الضعف والوهن بالبكار العَمِدة من الإبل: ((كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ...))[13]. أراد: أنهم كالإبل المشقوقة السنام من كثرة ما فيها من شحم، فلما القي عليهم الأمر بالدعوة إلى القتال أثقلهم ذلك واخذوا بالابتعاد والنأي من أن يصيبهم شيءٍ من هذهِ الأحمال[14]. فوصف قعودهم وتقاعسهم عن الجهاد بلفظ (العَمِدة) من الإبل التي لا تطيق صبراً وتحملاً[15]، لما بها من ورم السنام وانشداخه. فكأن هؤلاء ماتت فيهم الغيرة والطاعة لإمامهم الذي يأمرهم بقتال الأعداء والوقوف بوجههم. في حين أن الواجب عليهم والمفروض بهم أن يكونوا رجالاً أشداء ممتلئِ القوة والعزم. وهذا هو الأصل في لفظة (عمد) في اللغة[16].ولهذا شبّه مداراته لهم وحسن تعامله معهم بمداراة أصحاب الإبل للإبل المشقوقة السنام)[17].

الهوامش:
[1] ينظر: النهاية في غريب الحديث: 3/318، ولسان العرب: 4/616.
[2] أنفسهما.
[3] ينظر: مقاييس اللغة (عور): 4/185، ولسان العرب (عور): 4/616.
[4] ينظر مقاييس اللغة (عور): 4/615.
[5] ينظر: المعجم المفهرس لالفاظ نهج البلاغة: 328.
[6] نهج البلاغة: ك / 25: 482، 483.

[7] صحيح البخاري: 2 / 528، والنهاية في غريب الحديث: 3/318.
[8] ينظر: النهاية في غريب الحديث: 3/318، ولسان العرب (عور): 4/616.
[9] ينظر: المحكم (عمد): 2/37.
[10] نفسه.
[11] ينظر: العين (عمد): 2/59، والمخصص: م/2: س/7: 167، 168.
[12] ينظر: المعجم المفهرس لالفاظ نهج البلاغة: 320.
[13] نهج البلاغة: خ/69: 107.
[14] ينظر: الديباج الوضي: 2/526.
[15] ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 2/346.
[16] ينظر: العين (عمد): 2/57.
[17] لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 38-40.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2701 Seconds