من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: الدلالة على الجَمَلِ المعروف الذي هزُل وصار ضَعِيفاً مُنْهكاً من كثرة ما حُمِل عليه حتى ضجَّ مما يُثْقَله

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: الدلالة على الجَمَلِ المعروف الذي هزُل وصار ضَعِيفاً مُنْهكاً من كثرة ما حُمِل عليه حتى ضجَّ مما يُثْقَله

878 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 02-06-2024

قال عليه السلام: ((فَكَأَنِّي قدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ آلْجِمَالِ بِالاْثْقَالِ))
بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
ومن ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في سياق ردّه على كتاب لمعاوية؛ إذ يقول له الإمام (عليه السلام): ((وَزَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائراً بِدَمِ عُثْمانَ، وَلَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمانَ فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاكَ أنْ كُنتَ طَالباً، فَكَأَنِّي قدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ آلْجِمَالِ بِالاْثْقَالِ...))([1]). وخِطَاب الإمام (عليه السلام) لمعاوية، خطاب تهديد ووعيد، ينفي فيه الإمام عن معاوية صدقه في الطّلب بدم الخليفة عثمان، ثُمَّ يصف حال معاوية، وهو يضِج من الحرب التي صوّرها الإمام بأنها تَعَض، إشارة إلى أذَاها وألَمها. وأمّا وَصْفُه بالضجيج، فالضّج والضُّجِيج الصِّياح عند المكروه والمشَقَّة والجزع([2]). كأنه يصيح من ألَمِ الحرب التي عَضَّتْهُ كَصِيَاحِ الجمل من حَمْلِ الأثقال. وضجيج الجِمَال جَلَبَتُهَا وفَزَعُهَا من ثَقْلِ الحَمْل عليها ([3])، والتشبيه هنا قائم على ما يصدر من معاوية من ضجيج وتَبَرُّمٍ من ثقل الحرب وعدم قدرته عليها، وعلى منازلة الإمام كما يَضجّ الجَمَل من أثقاله ([4]). ولا يكون ذلك في (الجِمَال) الاّ إذا كانت واهنة لا تستطيع أنْ تقوم بما عليها. ولهذا استعمل (عليه السلام) مفردة (الجِمَال)؛ لمناسبتها حال معاوية في ضجيجة من الحرب التي صوّرها له بهيئة السَّبْعِ العَقُور في عَضَّته وإيلامهِ ([5]).حينما يهاجم الجِمَالِ المُثْقَلَةِ بأحمالها، وهو ما يزيدها ثقلاً وإبطاء، فضلاً عمّا بها من كِبر سِنٍّ وبزل. إلاّ إذا بَزُلَ كما يذكر أهل اللغة ([6]).  والبَزْل في البَعِيْر انفطار نَابِه، وذلك إذا بَلَغ الثامِنَة من عمره أو التاسعة ([7]). فيكون حينذاك من الإبل الطاعنة التي لا فائدة منها. فشبه (عليه السلام) حال معاوية في ضعفه وعجزه عن مقاتلته الإمام ومواجهته في الحرب بحال الجمل البازل الضعيف الذي طعنه كبر سنّه. )([8]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة: ك/10: 469.
([2]) ينظر: لسان العرب (ضجيج): 2/312.
([3]) ينظر: أساس البلاغة (ضجيج): 1/371، وتاج العروس (ضجيج): 6/75.
([4]) ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/208.
([5]) نفسه.
([6]) ينظر: العين (جمل): 6/141، والمُغْرب في ترتيب المعّرب: 1/160.
([7]) ينظر: لسان العرب (بزل): 11/52، و (ربع): 8/108، و(جمل): 11/123.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 78-79.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3564 Seconds