بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
قد يواجه الإنسان المحسن الذي أدمن فعل المعروف وتعود على عمل الخير بعض الصعوبات بحيث تعكر عليه صفوه ولا تشجعه على الاستمرار بل تثبطه عن ذلك لأنه يقابل بالنسيان والتجاهل وهو ما يصعب على الإنسان غالباً فتثور ثورته الداخلية ويقارن بينه وبين غيره الذي لم يفعل المعروف فيراه يحترم ويذكر وقد تفتعل له مواقف فيشكر عليها مع أنها لم تصدر منه، بينما يرى نفسه منسي المواقف تكفر مواقفه، وتنسى وتتجاهل، وتغلب عليها قضايا أخرى من الحساسية، والمشاحنات، ونكران الجميل.
وهذا كله مما يجعل البعض زاهداً، غير راغب في عمل المعروف بل يفضل الانصراف عنه، ومقاطعته، لعدم التلقي المناسب، ولما يتحمله من مشاقٍ نفسية من جرائه، فيعلن مقاطعته، وعدم قيامه بعمل المعروف بعد ذلك وفي ذلك من الآثار السلبية على المجتمع ما حفز الإمام عليه السلام لتوجيه كلمة في المقام لتكون علاجاً وتهدئة للنفوس وتطييباً للخواطر لئلا تقل فرص عمل المعروف أو تنعدم من قائمة أعمال بعض الأفراد لشدة صدمتهم وأليم تأثرهم النفسي مما صادفهم فكانت هذه الحكمة: بأن على الإنسان أن لا يعزف تماماً ويتعقد من فعل المعروف لو لم يتلق الرد المناسب، بل من المؤكد بان الله تعالى يشكره ويتلقاه بالقبول فيمنحه التوفيق ويمد العبد الفاعل بكل ما يجعله متميزاً متقدماً في مسيرة الحياة المليئة بالعثرات، مع أنه تعالى غير محتاج إلى ذلك.
بل أحياناً لم يكن الدافع وراء العمل التقرب له تعالى وإنما هو لغايات خاصة ولكن مع ذلك يتولى الأمر بلطفه وتفضله ليشجع المحسنين ويجعلهم يتواصلون في ذلك الطريق المحبوب لديه والمفضل عنده إذ به تعمر الدنيا وتستمر الحياة متواصلة بالرغم من المصاعب والمشاق التي تفرزها أعمال العباد بكل ما فيها من سلبيات تجعل الدنيا في ضنك وفي سبيل تغير، وانقلاب حال إلا أن تلك الأفعال الحسنة وأعمال المعروف تخفف الوطأة وتساعد على تمرير المشكلة.
هذا لمن يكتفي بشكر الله تعالى له، وأما من يتوقع ذلك من العباد فأيضاً يتهيأ له من يشكره على عمله الحسن والايجابي ولو لم يكن منتفعاً به بل ليشجعه على الاستمرار والمواصلة، إذن فالشكر حاصل ولو لم يكن من المنتفع ذاته فلابد من المضي قدماً في طريق فعل الإحسان وعمل الخير من دون تعلل بعدم الشكر لأن فعل الإحسان وعمل الخير مما يحبه الله تعالى ولذا يهيئ للمحسن ألسنة الثناء والشكر بمختلف الوسائل ومن مختلف الأفراد لكي يداوم على ذلك ولا يمنعه إغضاء المنتفع وتناسي المستفيد وقد أكد الإمام عليه السلام بأن ما يصل لفاعل المعروف من الجزاء الأوفى خير بمراتب ودرجات مما منع عنه.
وفوق كل تلك التطمينات والضمانات كانت البشارة بأن هذا الإنسان محسن والله تعالى يحبه، وهذا مالا يدركه إلا سعيد الحظ ومن أراد الله تعالى به خيراً ([1]).
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص 299-301.