مباحث أخلاقية وتنموية في عهد مالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة الرابعة عشر: دلالة أمره (عليه السلام) مالك الأشتر بملك «غََرْبَ لِسَانه»، وأثره في تنمية الذات والقيادة.

مقالات وبحوث

مباحث أخلاقية وتنموية في عهد مالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة الرابعة عشر: دلالة أمره (عليه السلام) مالك الأشتر بملك «غََرْبَ لِسَانه»، وأثره في تنمية الذات والقيادة.

309 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 31-10-2024

بقلم: السيد نبيل الحسني.

في الرذيلة الرابعة من مظاهر سوء الخلق التي عالجها النص الشريف والتي أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك الاشتر بالتحكم بها وملكها هي (غرب اللسان)، وذلك في قوله: «امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وسَوْرَةَ حَدِّكَ، وسَطْوَةَ يَدِكَ، وغَرْبَ لِسَانِكَ»، وقد تناول اللغويون مفردة (غَرْبَ) فجاء في بيان معناها أن الغَرْبُ والغَرْبة: الحِدَّةُ.
ويقال لِحَدِّ السيف: غَرْبٌ.
ويقال: في لسانه غَرْبٌ أَي حِدَّة.
وغَرْبُ اللسانِ: حِدَّتُه.
وقال الأَصمعي: أَغْرَب الرجلُ في مَنْطِقِه إِذا لم يُبْقِ شَيْئاً إِلَّا تكلم به[1].
ويكشف النص الشريف عن الأمر الرابع المتعلق بسوء الخلق بالمعنى الأخص، أي جارحة اللسان، وهي أشد الجوارح أبتلاءً على الإنسان وأكثرها ظهورا منه في تعامله مع الناس، ومن ثمّ نجدها قد أخذت حيزا كبيرا من النصوص الشريفة ورّكز عليها علماء الأخلاق.
ولأنها في منهاج صناعة الإنسان والدولة وأدوات السلطان الأقل استخدامًا والأندر ظهورا لما يملكه السلطان من أدوات القهر، جعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) في المرتبة الرابعة في سلّم الرذائل الكاشفة عن سوء الخلق.
ولكن قد ينغر الحاكم أو القائد أو المدير فيدفعه زهو الملك ونشوة السلّطنة وبريق المنصب إلى الحدة في المنطق، والقسوة في الكلمة، فيدخل بها على من حوله الأذى الشديد الذي لا يقل عن سطوة اليد، ولذا نجده (عليه السلام) يجعل حمية الأنف هي القاعدة الأساس التي ترتكز عليها الرذائل الثلاثة الأخرى وذلك لكونها نابعة من الأنا التي تتغذى على الملك والأمارة والسلطة، فتنمو على جذورها هذه الرذائل وغيرها كما سيمر بيانه في بقية الأوامر والنواهي التي وردت في العهد الشريف.
ومن ثمّ كي يتمكن الإنسان من تنمية ذاته وتطوير قدراته النفسية فلا بد له من النية الصادقة والعزم الجاد والإرادة الحقيقة والنقية من الأوهام وخداع النفس وتنميتها بملك لسانه من الكلمة السيئة التي لا تنحصر في الكلمة القاسية أو البذيئة وإنما قد يكون بها هدم ما بناه الإنسان أو سببا في تهديم ما بناه غيره، وشتان بين هذه الحالة والحالة التي يكون فيها عبر جارحة اللسان والكلمة طيّب العشرة وسهل المعاملة ومتقن للقيادة وإدارة الأمور [2].

الهوامش:
[1] لسان العرب، ابن منظور: ج1 ص641
[2] لمزيد من الاطلاع، ينظر: فقه صناعة الإنسان، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رحمه الله)، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق، السيد نبيل الحسني، ص 172- 173/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة- العتبة الحسينية المقدسة، ط 1 - دار الوارث كربلاء. المقدسة 2023م.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2445 Seconds