من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((غُسِّلَ)) في قوله عليه السلام: «وغُمِّضَ ومُدِّدَ وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((غُسِّلَ)) في قوله عليه السلام: «وغُمِّضَ ومُدِّدَ وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ»

20 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 21-01-2025

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

غُسِّلَ
تدلُّ مادَّة (غُسِّلَ) في اللُّغة على تطهير الشَّيء، وتنقيته. جاء في (معجم مقاييس اللُّغة): «الغين والسِّين واللَّام أَصل صحيح يدلُّ على تطهير الشَّيء، وتنقيته» ([1]).
وقال الجوهريّ: «غَسَلْتُ الشَّيء غَسْلاً بالفتح، يَغْسِلُ، والاسم الغُسْلُ بالضَّمِّ، يُقال: غُسْلٌ وغُسُلٌ. والغِسْلُ بالكسر: ما يُغْسَلُ به الرَّأس خِطْميٍّ وغيره... واغتسلت بالماء. والغَسُول: الماء الَّذي يُغْتَسَلُ به. وكذلك المُغْتَسَلُ. قال الله تعالى: (هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)([2]) والمُغْتَسَلُ أيضاً: الَّذي يُغْتَسَلُ فيه. والمَغْسِلُ، بكسر السِّين وفتحها: مَغْسَلُ الموتى، والجمع: المَغَاسِلُ. والغُسَالة: ما غَسَلْتَ به الشَّيء. وشيءٌ غسيل ومغسول» ([3]).
وورد هذا الفعل (غُسِّلَ) في الخطبة مرَّةً واحدة مطابقاً دلالته اللُّغوية، جاء به أَمير المؤمنين (عليه السلام)  مبنياً للمجهول، وعلى زنة (فُعِّل)، وهو خامس الأَفعال الَّتي أَوردها (عليه السلام)  في بيان ما يحصل على الإنسان الميِّت في المغتسل بعد موته، فبعد أَنْ تُغمض عيناه، وتُمدَّ يداه ورجلاه، ويُوجَّه إلى القبلة، ويُجرَّد من ثيابه، يتمُّ تغسيله، إذ قال (عليه السلام): «وغُمِّضَ ومُدِّدَ، وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ، وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ، وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ، وَهُيِّءَ وَنُشِرَعَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ».
وقد ذكر الفقهاء في رسائلهم العمليَّة في (تغسيل الميِّت) أَنــَّه يُغسَّل بثلاثة أَغسال: الأَول: بماء السِّدر، والثــَّاني: بماء الكافور، والثــَّالث: بماء القراح. ويغسل أَوَّلاً رأْس الميِّت ورقبته، ثــُمَّ الجانب الأَيمن منه، ثــُمَّ الجانب الأَيسر([4]).
وما قيل في الفعل (جذبت نفسه) يقال ــ هنا ــ مع الفعل (غُسِّل) في بنائه للمجهول؛ فقد بني للمجهول لأَمرين: الأَوَّل: التَّركيز على الحدث، وهو أَنْ يُغسَّل الميِّت بثلاثة أَغسال، والثــَّاني: أَنــَّه لا يُعلَمُ مَنْ سيقوم بذلك، ولكنــَّه متحقِّق لا محالة.
وذكرتُ أَنَّ أَمير المؤمنين (عليه السلام) أَورد هذا الفعل على زنة (فُعِّل)، وتقدَّم أَنَّ لصيغة (فُعِّلَ) معاني كثيرة ذكرها العلماء، منها: المبالغة والتَّكثير ــ وهو أَشهرها ــ، ويدلُّ على تكرير الفعل، وكثرة القيام به([5])، ومنها: الجَعْلُ([6])، وكلا المعنيين متحقِّق في الفعل (غُسِّل)؛ فغُسْلُ الميِّت بثلاثة أَغسال يدلُّ على الكثرة، وهو معنىً تدلُّ عليه صيغة (فُعِّلَ)، فضلاً عن دلالتها على (الجعل)، أَيْ: جُعِلَ بدنُ الميِّتِ طاهراً غير متنجس.
و(غُسِّل) فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، تقديره هو، عائد إلى (مَنْ جذبت نفسه)، وجملة (وغسِّلَ) معطوفة على جملة (جُرِّد).)([7]).

الهوامش:
([1]). معجم مقاييس اللغة: 4/340. وينظر: العين: 1/348، وجمهرة اللغة؛: 1/471، والمحيط في اللغة: 1/398، والمخصص: 1/499.
([2]). ص: 42.
([3]). الصحاح في اللغة: 2/19. وينظر: تهذيب اللغة: 3/54، والمحكم والمحيط الأعظم: 2/405، ولسان العرب: 11/494، والقاموس المحيط: 3/141، وتاج العروس: 1/7375- 7377.
([4]). ينظر منهاج الصالحين (للخوئي): 73و 77، وموجز الفتاوى المستنبطة (للغروي): 92و 96، ومنهج الصالحين (للسيد الصدر): 67و 68، وأحكام العبادات (للمدرسي): 135، وسبل السلام (لليعقوبي): 105و 106.
([5]). ينظر: الفعل (بلَّغ) من الكتاب.
([6]). ينظر: الفعل (فرَّدتُه) من الكتاب.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص208-210.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2831 Seconds