بقلم: أ.د علي خلف حسن السنيد
الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
قال شريح القاضي في عهد عمر بن الخطاب، أتاني رجل فقال لي: يا أبا أمية إن رجلا أودعني امرأتين، فجعلتهما في دار، فولدتا معا في ليلة واحدة ابنا وابنة وكلتاهما تدَعي الابن وتنتفي من الابنة، فاقض بينهما بقضائك، فلم يحضرني شيء فيهما، فأتيت الخليفة، فقصصت عليه، فجمع كل من حضر وقال أني أعرف حيث مفزعها وأين منتزعها، فقالوا كأنك أردت ابن أبي طالب. قال نعم. فقال الإمام علي (عليه السلام) لكل من المرأتين، لتحلب كل واحدة في قدح (حجم القدحين متساوي)، ثم وزن القدحين، فإذا بأحدهما أثقل من الآخر فقال عليه السلام لصاحبة الحليب الخفيف، خذي ابنتك و لصاحبة الحليب الثقيل، خذي ابنك. ثم التفت الإمام (عليه السلام) إلى عمر بن الخطاب وقال: أما علمت أن الله تعالى جعل لبنها دون لبنه، بمعنى إن حليبه يختلف عن حليبها. والحقيقة إن الله سبحانه وتعالى قد ميز حليب الذكر عن حليب الأنثى، فجعله أكثر غذاء ودسما» لحاجة جسم الذكر إلى ذلك، بالتالي تكون كثافته أكبر من كثافة حليب الأنثى. ولأن الإمام (عليه السلام) أخذ حجمين متساويين من الحليب لذلك فالأثقل هو الأكثر كثافة([1])([2]). وهنا استعمل الإمام (عليه السلام) مفهوم الكثافة (كتلة وحدة الحجوم) الذي يستعمل كثيرا في مختلف العلوم.
العلم الحديث يتلاشى اليوم أمام عظمة علوم علي بن أبي طالب(عليه السلام) عندما حكم في قضية قبل 1400 عام بأن حليب الولد أثقل من حليب البنت... ولم يعرف آنذاك سبب هذا الحكم، الذي يعتبر من أبرع ما سمع في الحكم والقضاء في ذلك الزمن. اليوم أثبتت دراسة علمية حديثة تعتبر الأولى من نوعها إن كثافة حليب الأم التي تلد ذكرا» أكثر من كثافة حليب الأم التـي تلـد أنثى كون الـذكور منحني زيـادة وزنهم أكثر مـن منحني زيـادة وزن الإناث والدراسة نشرتها المجلة الأمريكية لعلم الأحياء البشري.
ذكرت الواشنطن- فرانس برس([3])، ما يأتي:
أثبتت دراسة حديثة أن تركيبة حليب الأم تختلف باختلاف جنس المولود بين الذكر والأنثى، حيث تبين أن الذكر يحتاج إلى حليب أغنى بالدهون والبروتينات، أما الأنثى فتحتاج إلى كمية أكبر من الكالسيوم. وأوضحت كايتي هايند عالمة الأحياء في جامعة هارفرد إن الأمهات ينتجن وصفات بايلوجية مختلفة طبقا لجنس الرضيع، أي بحسب إن كان ذكرا أو أنثى.
وأظهرت دراسات أخرى إن حليب إلام للذكر يمتاز بأنه عالي الكثافة ليمده بالطاقة بشكل أكبر ومضاعف، وأشارت الباحثة (كايتي) إلى وجود هرمون كورتيزول بنسبة عالية في حليب إلام للجنين الذكر وينظم بدوره التمثيل الغذائي ونمو الطفل وتحديد سلوكياته. وأشارت الباحثة والعالمة الأمريكية بينكوت إلى تغير هرمونات إلام الحامل بالذكر إذ يفرز بدوره هرمون التستوستيرون الذكري الذي يزيد من بذل الطاقة والجهد عند الأمهات ولتنمو سريعا. وهنا لا نريد أن ندخل في الأمور الطبية، لأن ما يهمنا هنا المصطلح الفيزياوي وهو الكثافة)([4]).
الهوامش:
([1]) سلو عليا لهشام ال قطيط ص276-277..
([2]) بصيغة أخرى في: الشهاب الثاقب للشيرواني ص282، الفقيه للصدوق 3:19/3249.
([3]) الواشنطن فرانس برس الامريكية في 17/2/2014.
([4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء والرياضيات / تأليف: الأستاذ الدكتور علي خلف حسن السنيد، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 72-74.