إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء الحلقة (7): إشاراته (عليه السلام) حول السراب

مقالات وبحوث

إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء الحلقة (7): إشاراته (عليه السلام) حول السراب

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-07-2025

بقلم: أ.د  علي خلف حسن السنيد

الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

السراب نوع من أنواع الوهم البصري، والذي يؤثر في العيون، فيجعل الإنسان يبصر ما هو غير حقيقي. ويعرف أيضا، بأنه خداع للبصر يحدث عند انعكاس ضوء الشمس على الأرض في درجات الحرارة المرتفعة الأمر الذي يؤدي إلى مشاهدة صور حقيقية تشبه الماء، ومن هنا حصل على مسمى سراب، والتسمية الانكليزية له تعود إلى كلمة Mirage وتعني بالفرنسية المرآة.

ومن أسباب حدوث السراب:

* مرور ضوء الشمس في الهواء البارد، في حالات الطقس الحارة، والذي يؤدي إلى انكساره على سطح الأرض ليتكون السراب.

* عند تقاطع الهواء شديد البرودة مع حرارة الأرض والذي يؤدي إلى ظهور صور مخادعة عن أشياء حقيقية.

* تأثير الغلاف الجوي للأرض، من خلال درجة انحداره نحو سطحها، والتي تؤدي إلى ظهور انعكاس الأشياء على الطرق مثل انعكاس صور للسيارات التي تسير في درجات الحرارة المرتفعة.

أما أنواع السراب فهي:

* المحدود (الأدنى): هو السراب الذي يعكس صورة غير أصلية، تحت الصورة الأصلية مباشرة ويقسم على نوعين: السراب الصحراوي وسراب المدن.

* الفائق (الأعلى): الذي ينتج عن تأثير الهواء البارد جدا، في طبقات الغلاف الجوي.

* القطبي: الذي يحدث في المناطق الساحلية والقريبة من مياه البحر([1]).

يعذَ السراب الصحراوي من أشهر الأنواع وسببه، إن رمل الصحراء المتوهج بتأثير الحرارة يكتسب نفس خواص المرآة، لأن كثافة طبقة الهواء الساخن القريبة منه أقل من كثافة الطبقات العليا. وعند وصول شعاع الضوء المنبعث من أحد الأجسام البعيدة إلى هذه الطبقة من الهواء، يتقوس في داخلها، بحيث يبتعد بعد ذلك عن سطح الأرض ويصل إلى عين المسافر، وكأنه منعكس على سطح مرآة بزاوية سقوط كبيرة جدا، ويبدو عندئذ للمسافر انه يرى أمامه سطح الماء الهادئ وقد أمتد في الصحراء، فانعكست على صفحته صور الأجسام الموجودة على الشاطئ. والأصح يقال إن طبقة الهواء الساخنة الموجودة بالقرب من الرمل المتوهج، لا تعكس الأشعة مثلما تعكسها المرآة، ولكن مثلما يعكسها سطح الماء، عندما ننظر إليه من الأعماق. إن ما يحدث في هذه الحالة، ليس مجرد انعكاس إنما يحدث ما يسمى بالفيزياء بالانعكاس الكلي([2]).

أما ذكر السراب عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فجاء في كتاب كتبه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها قال فيه: «فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما، تكون المصيبة به عليَ أعظم من فوت ولايتكم التي هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه (أي سكن)»([3]). ويقصد (عليه السلام) لو لم ينصر الإسلام بإزالة أولئك الولاة، وكشف بدعهم، لكانت المصيبة عليه بالعقاب على التفريط أعظم من حرمانه الولاية في الأمصار. فالولاية يتمتع بها أياما قلائـل ثـم تزول كما يـزول السراب. فنهض الإمام بين تلك البدع فبددها حتى ذهب الباطل وزهق واطمأن الدين وثبت وسكن([4]).

وفي حكمة للإمام علي (عليه السلام)، ذكر السراب حيث قال لابنه الحسن عليهما السلام: «يا بني أحفظ عني أربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن: أغنى الغنى العقل. وأكبر الفقر الحمق. وأوحش الوحشة العجب. وأكرم الحسب حسن الخلق، يا بني إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك. وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه. وإياك ومصادقة الكذاب فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب»([5]) 

وفي رواية ذكرت في كتاب العلوم الطبيعية في تراث أمير المؤمنين(عليه السلام)([6])، جاء ذكر السراب بمعناه العلمي، هو إن ملك الروم كتب إلى معاوية يسأل عن خصال، فكان فيما سأله: اخبرني عن لا شيء، فتحير، فقال عمرو بن العاص: وجه فرسا» فارها» إلى عسكر الإمام علي ليباع، فإذا قيل للذي معه يقول بلا شيء، فعسى أن تخرج المسألة. فجاء الرجل إلى عسكر علي (عليه السلام) فمر به ومعه قنبر. فقال: يا قنبر ساومه، فقال: بكم الفرس، قال: بلا شيء. قال: يا قنبر خذه منه، قال أعطني لا شيء. فأخرجه إلى الصحراء وأراه السراب، فقال: ذلك لا شيء، قال: وكيف، قال: أما سمعت الله تعالى يقول في سورة النور- أية 39» «والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا»([7])([8]).
كما ذكر الإمام (عليه السلام)، السراب من خلال قوله «العامل على غير بصيرة كالسائر على السراب بقيعة، لا يزيد سرعة سيره إلا بعدا»([9]))([10]).

الهوامش:
([1]) موقع موسوعة المعلومات - 9/12/2014  و موقع موضوع في 6/12/2016.
([2]) الفيزياء المسلية- ج1 – ص195.
([3]) نهج البلاغة – كتاب 62 – ص 472.
([4]) شرح نهج البلاغة لعبدة، ص424.
([5]) نهج البلاغة – حكمة 34 – ص494.
([6]) العلوم الطبيعية في تراث أمير المؤمنين ص78.
([7]) الحق المبين في قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ص 47.
([8]) الكل يسأل وعلي يجيب لهشام ال قطيط ص242-243.
([9]) ميزان الحكمة –ج3  ص2093.
 ([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء والرياضيات / تأليف: الأستاذ الدكتور علي خلف حسن السنيد، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 74-77.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1006 Seconds