بقلم: أ. د. علي خلف حسن السنيد
الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
المسائل الرياضية التي واجهت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأعطى حلها الدقيق وبشكل سريع لا يتحمله العقل أحيانا:
مسألة زبية الأسد([1])
روي عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال بعث النبي(صلى الله عليه وآله) عليا إلى اليمن و إذا زبية (حفرة تحفر للأسد، سميت بهذا الاسم لأنها تحفر في مكان عال) قد وقع فيها الأسد، فأصبح الناس ينظرون إليه ويتزاحمون ويتدافعون حول الزبية، فسقط رجل فيها، وتعلق برجل آخر، وتعلق الآخر بآخر، حتى وقع فيها أربعة، فجرحهم الأسد، وتناول رجل الأسد بحربة فقتله، فأخرج القوم موتى، فانطلقت القبائل إلى قبيلة الرجل الأول الذي سقط وتعلق فوقه ثلاثة، فقالوا لهم: أدوا دية الثلاثة الذين أهلكهم صاحبكم، فلولا هو ما سقطوا في الزبية، فقال أهل الأول: إنما تعلق صاحبنا بواحد نحن نؤدي ديته واختلفوا حتى أرادوا القتال، فصرخ رجل منهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو منهم غير بعيد، فأتاهم ولامهم، وأظهر موجدة. وقال لهم: لا تقتلوا أنفسكم ورسول الله حي، وأنا بين أظهركم، فأنكم تقتلون أكثر مما تختلفون فيه، فلما سمعوا ذلك منه استقاموا، فقال: إني قاض فيكم قضاء فان رضيتموه فهو نافذ، وإلا فهو حاجز بينكم، من جاوزه فلا حق له حتى تلقوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيكون هو أحق بالقضاء مني، فاصطلحوا على ذلك، فأمرهم أن يجمعوا دية تامة من القبائل الذين شهدوا الزبية، ونصف دية، وثلث دية وربع دية. فأعطى أهل الأول ربع الدية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة، وأعطى الذي يليه ثلث الدية من أجل أنه أهلك فوقه اثنان، وأعطى الثالث نصف الدية من أجل انه هلك فوقه واحد، وأعطى الرابع الدية تامة لأنه لم يهلك فوقه أحد، فمنهم من رضي ومنهم من كره، فقال لهم (عليه السلام) تمسكوا بقضائي إلى أن يأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيكون القاضي فيما بينكم، فوافوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالموقف فثاروا إليه فحدثوه حديثهم، فاحتبى ببرد عليه ثم قال: أنا أقضي بينكم إن شاء الله، فناداه رجل من القوم: إن علي بن أبي طالب قد قضى بيننا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):ما هو؟ فأخبروه، فقال: هو كما قضى، فرضوا بذلك.
وجاءت هذه المسألة عن طريق آخر وكانت نتيجة قسمتها مختلفة بالرغم من تشابه المسألة إلى حد بعيد. روي أنه رفع للإمام علي (عليه السلام) وهو في اليمن، خبر زبية وقع فيها الأسد، فوقف رجل على شفير الزبية فزلت قدمه فتعلق بآخر وتعلق الآخر بثالث وتعلق الثالث برابع فوقعوا في الزبية، فدقهم الأسد، وهلكوا جميعا. فقضى (عليه السلام) بأن الأول فريسة الأسد وعلى أهله ثلث الدية للثاني، وعلى أهل الثاني ثلثا الدية للثالث، وعلى أهل الثالث الدية كاملة للرابع. فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء الله عز وجل فوق عرشه.
إن الاختلاف واضح بين الروايتين، ففي الرواية الأولى إن المجتمعين تزاحموا وتدافعوا فيكون سقوط الرجل الأول بسببهم، فكانت له عليهم الدية، لكن سقط عنهم ثلاثة أرباعها من حيث انه سقط فوقه ثلاثة وكان هو السبب في سقوط الأول منهم، وسقط عنهم ثلثا الدية للثاني من حيث سقط فوقه اثنان كان هو السبب في سقوط أولهما وسقط عنهم نصف الدية للثالث من حيث سقط فوقه واحد كان السبب في سقوطه وأعطي الرابع دية كاملة لأنه لم يسقط بسببه أحد.
أما في الرواية الثانية فإن الأول زلت قدمه فوقع ولم يرمه أحد، فلذلك لم يكن له شيء وعليه ثلث الدية للثاني لتعلقه به وتعلق الثاني بالثالث، وعلى الثاني الثلثان للثالث لتعلقه به وتعلق الثالث بالرابع، وعلى الثالث دية كاملة للرابع لتعلقه به وعدم تعلق الرابع بأحد، وبعد إنقاص ما أخذ كل واحد مما دفعه يكون قد دفع كل واحد ثلثا فقط للرابع، والرابع لم يدفع شيء)([2]).
الهوامش:
([1]) عدة مصادر منها: عجائب أحكـام أمير المؤمنين للأميـني ص38، الحق المبين في قضاء أميـر المؤمنين للشفائي ص11، سلـوا عليـا لهشام أل قطيط ص260، موسوعـة الموسم- مجـلد 113– 2015 ص251، أعيان الشيعة للأمينـي، الإرشـاد للمفيد ج1 ص196، مناقب ابن أشوب ج2 ص353 و ص378، مسند أحمد بـن حنبـل ج1 ص77، و الرياضيات ما قبل الخوارزمي ص43 و زاد المعاد ج5 ص12.
([2]) لمزيد من الاطلاع ينظر: إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء والرياضيات / تأليف: الأستاذ الدكتور علي خلف حسن السنيد، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 150-153.