مِنَ الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) الحلقة (9): التوجيهات النحوية للفظة (السابقون) وما يتعلق بها:

مقالات وبحوث

مِنَ الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) الحلقة (9): التوجيهات النحوية للفظة (السابقون) وما يتعلق بها:

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 16-08-2025

بقلم: رضي فاهم عيدان

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمدًا كثيرًا وأعوذ به من شر نفسي إنّ النفس لأمارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربي، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّدٍ الأمين وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

إما بعد:
(السابقُون)الأُولى مُبتدأ، والثانية يمكن أنْ تكونَ خبرًا عن المُبتدأ أو نَعتًا أو توكِيدًا لفظيًا ([1]) ، وقد ذهبَ سيبويه (ت180هـ) إلى أنَّ في هذا النَّحوَ من تكرارِ المبتدأِ بلفظه دلالةً على معرِفَةٍ سابقةٍ به ؛ قال :(( تقول: قد جرّبتُك فوجدتُك أنتَ أنتَ، فأنتَ الأولى مبتدأةٌ والثانيةُ مبنيِّةٌ عليها، كأنَّكَ قلت: فوجدتُك وجهُك طليقٌ. والمعنى أنك أردت أن تقول: فوجدتُك أنتَ الذي أعرفُ. ومثل ذلك: أنتَ أنتَ، وإن فعلتَ هذا فأنتَ أنتَ، أي فأنتَ الذي أعرفُ، أو أنتَ الْجوادُ والجَلْد، كما تقول: النَّاسُ النَّاسُ، أي النَّاسُ بكلِّ مكانٍ وعلى كلِّ حال كما تعرف.))([2]) وبهذا يكون تكرار المبتدأ بلفظه نحوًا من الإخبار ، وأشار الرضيُّ أنَّ تكرار المبتدأ بلفظه هو النَّوعُ الثَّاني مِن أنْواعِ الخَبَرِ ؛ قال: (( والثَّاني أي الذي لا يُغايِرُ المبتدأَ لفظاً، يُذكَرُ للدَّلالةِ على الشُّهْرَةِ، أو عدمُ التَّغيُّرِ، كقولهِ: أنا أبو النَّجم وشِعري شِعري , أي: هو المشهورُ المعروفُ بنفسِه لا بِشئٍ آخر، كما يُقالُ مَثَلاً : شِعري مليحٌ ، وتقول: أَنا أَنا، أيْ ما تغيَّرتُ عمَّا كُنت)) ([3]).
وذهبَ بعضُ المُفسِرينَ إلى ترجِيحِ الإعرابِ الأَوَّلِ بأنْ تكونَ {السابقُون} الثانية خبراً وذلك لأمرين :

الأول : لشُهْرَتِهم في السَّبْقِ حتَّى عُرِفُوا به ؛ قال الزمخشري(ت538هـ) :(( { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ }، يُريد : والسَّابِقُونَ مَنْ عَرَفْتَ حَالَهم وبَلَغَك وصْفَهُم ، كقوله : وعبدُ الله عبدُ الله . وقولُ أبي النجم : وَشِعري شِعري ... كأنَّه قال : وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وبراعته )) ([4]) .

الثاني : لِما فِيهِ من معنَى التَّعظيمِ والتَّفخِيم انسجامًا معَ التعظيمِ بـ( ما ) في قوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ  - وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ } [الواقعة :8- 9] وهو ما أشار إليه أبو حيان(ت745هـ) بقوله:(( يُرجِّح هذا القولَ أنَّه ذكرَ أصحابَ الميمَنةِ مُتَعجِّباً منُهم في سعادتِهم ، وأصحابُ المشأَمة مُتَعجِّبًا منهم في شَقَاوَتِهم ، فناسبَ أنْ يذكرَ(السابقون) مُثْبِتًا حالَهم مُعَظِّمًا ، وذلك بالإخبارِ أنَّهم نهايةٌ في العَظَمَةِ والسَّعَادَة )) ([5]) .

وذكرَ الرازي(ت604هـ) بأن تكرارَ المبتدأِ بلفظهِ يُرادُ به وجهان: (( أَحَدُهُما أنْ يكونَ لشُهرَةِ أمْرِ المُبتدأ بِما هُو عَليهِ فلا حَاجَةَ إلى الخَبَرِ عَنْه ... والثَّاني : للإشارةِ إلى أنَّ في المُبتدأ مالا يُحيطُ العلمُ به ولا يُخبَرُ عَنه ولا يُعْرَفُ منهُ إلاَّ نفسُ المُبتَدأ))([6]) وهُوَ يدِلُّ ((على وَصْفِهِم بِشَيءٍ لا يَكْتَنِه كُنْهَه بحيثُ لا يَفِي بهِ التَّعبيرُ بعبارةٍ غَيرَ تلكَ الِّصفَةِ إذْ هي أقصى ما يَسَعهُ التَّعبير)) ([7]) ويُفهمُ مِن ذلكَ أنَّ {السابقُون} مَنْ عُرِفُوا بِسبْقِهم واشتُهِروا به ، فأغنى ذلك عن ذكرِهِم بأوصافٍ أُخَر، وإنما تتضح هذه الدلالة على القولِ بإعرابِ {السابقُون} الثانية خبرًا ، ويؤيد ذلك ما أشار إليه سيبويه في قوله السابق (تقول: قد جرّبتُك فوجدتُك أنتَ أنتَ،فأنتَ الأولى مبتدأةٌ والثانيةُ مبنيِّةٌ عليها ) .

أمَّا على القولِ بأنَّها نَعْتٌ فهذا الوجهُ لايتحققُ به ما حصلَ من الفائدةِ بإعرابهِ خبر من حيث الإخبار عنهم بما اشتهروا و عرفوا به ؛ إذ النَّعتُ: يجري مَجرَى تخليصِ اسمٍ من اسم ، فبالنَّعتِ لا يُتخلصُ مَنْ الَّذِي شاركَهُ فِي اسمهِ وهو(السابقون) ([8]) ، وفيهِ أيضًا عدم جوازِ وصفِ الشيءِ بلفظه ([9]) ، إلاَّ على القولِ بأنَّ (السابقون) الثانيةَ غيرُ الأولى وهو ما يُعيدنا إلى الإعرابِ الأول .

وقد يكونُ بإعرابها توكيداً وجملة {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} خبرٌ وجه، إلا أنَّه لما كانت فائدة التوكيد تقرير المؤكَّد (السابقون) في النفس وإزالة الإبهام عنه بتكريره بلفظه ما يجعل من المبتدأ (السابقون) في حكم المبهم وهذا خلاف كونه معروفاً بحكمه مبتدأ ، وإلاّ لما جازَ الابتداء به ، ولهذا فالرَّاجحُ عندَ الباحث هو الإعراب الأول  ) ([10]).([11]) . 

الهوامش:
([1]) ينظر: التبيان في إعراب القرآن : 2/437                       
([2]) الكتاب : 2/359  .
([3]) شرح الرضي على الكافية : 1/255  .
([4]) الكشاف : 4/446 .
([5]) البحر المحيط : 8/205 .
([6]) مفاتيح الغيب :  29/146 .
([7]) التحرير والتنوير :  27 /265 .
([8]) ينظر : الصاحبي في فقه اللغة : 98  .
([9])ينظر: اللباب في علوم الكتاب: 18/ 378  .
([10])لسان العرب  ( أمن ) : 13/ 27  .
([11]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام)/ دراسة في ضوء المعنى النحوي الدلالي، تأليف: رضي فاهم عيدان، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 96-99.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1054 Seconds