ألفاظ الأشجار والثمار والأزهار في نهج البلاغة: 2- الأفنان:

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

ألفاظ الأشجار والثمار والأزهار في نهج البلاغة: 2- الأفنان:

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-08-2025

بقلم: د. سحر ناجي المشهدي

الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..

اما بعد:
ورد هذا اللفظ ثلاث مرات في النَّهْج
ليدلَّ على معنى حقيقي،  فجاء مجموعا على زنة (أفْعال)  وهو جمع قلة ؛ وذلك في قوله (عليه السلام)  في خطبة الأشباح قائلاً: « عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ،   وَنَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ وَخَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ،.....ومُخْتَبَاَ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الأشجار وَأَلْحِيَتِهَا،  وَمَغْرِزِ الاْوْرَاقِ مِنَ الاْفْنَان» ([1])  ولحاء الشجرة قشرها،  والأفنان هي الغصون. 

  وقال في وصف اشجار الجنة: « فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَعَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا،  وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا، وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَارغُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَان الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا، وَفِي تَعْلِيقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا وَأَفْنَانِهَا»([2]).

  فقد رسم الإمام هنا صورة ذهنية عن الجَّنة، والعساليج:  هي الغصون،  والأفنان:  جمع فَنَن،  وهي استعارة لطيفة فلو نظرت بعين بصيرتك وفكرت في معنى ما وصف لك من متاع الجنة لم تجد لشيء من بدائع ما اخرج الى الدنيا متاعها الا نسبة وهمية،  وتغيب بفكرها في إصطفاق الأشجار وتمايل أغصانها،  وهذه هي الجنة المحسوسة،  يقول البحراني:  أشجار الجنة إستعارة للملائكة السماوية   والإصطفاق ترشيح تلك الإستعارة،  وكثبان المسك إستعارة للمعارف والكمالات التي لهم»([3]).  فالوصف هنا تصورا قلبيا، في حركة مليئة بالألوان،  وهذه الحركة تقترب من حركة الإنسان للذين يطوفون على سكان الجنة بتقديم أفخر أنواع الشراب (العسل المصَّفى والخمر المُروق)  وهي صورة ذهنية تعرض في عالم انساني يميل بانفعالاته نحو الشهوات والغرائز.  فكانت بلورة الخطاب تكون رؤية تتناسب وأهمية الصورة المشار اليها.  يقول د. حسين العمري عن هذه الرؤيا: «تجمع بين الادراك الحسي والرؤيا العقلية والبعد الجمالي وهي تعتمد على ما تتيحه اللغة من إمكانات يتجول فيها الذِّهن للإمساك بما يمكن تسميته بالعلاقة بين الواقع واللاواقع؛ لأنَّ العلاقة القائمة بين الإنسان وبين العالم نفسه علاقة شعرية على أنها علاقة معرفية، فالصورة والرسم والصوت أول مصادر التعبير عن العلاقة بين الانسان والعالم» ([4]). 
  والفَنٌ:  الحال،  والفُــُنـُون:  الضٌروب،  يقال:  رعينا فنونَ النـًبات،  وأصبنا فنون الأموال،  ويجمع على أفنان ايضاً  ([5]).
 «الفاء والنون اصلان صحيحان، يدل احدهما على تعنية، والاخر على ضرب من الضروب في الاشياء كلها..  ومنه الفنن،  وهو الغصن،  وجمعه أفنان،  ويقال:  شجرة فَنْواء،  قال ابو عبيد:  كأن تقديره فنًاء»([6]).
  وصرَّح ابن منظور بأن الفَنن جمعه أفنان،  ثم الأفانين،  وشجرة فنواء:  طويلة الأفنان،  على غير قياس([7])؛  لذا قال تعالى:  {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ*فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}([8])  أي:   ذواتا  أغصان([9]) والفنن الغصن المورق المستقيم)([10]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة:  خ 91،  93.
([2]) خ 165،  172.
([3]) ظ: شرح نهج البلاغة: البحراني: 3 / 291.
([4]) الخطاب في نهج البلاغة: 106.
([5]) ظ: العين (مادة فن): 8 / 371.
([6]) مقاييس اللغة: 4 / 435.
([7]) ظ:  لسان العرب (مادة فنن):  5 / 3476.
([8]) الرحمن / 47 ـ 48.
([9]) ظ:  مجاز القرآن:  ابو عبيدة:  2 / 245 .
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 285-287.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.0991 Seconds