بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
يقوم البعض باستعراض قواه الجسدية، وإبراز عضلاته ليدلل على قوته وإمكانية وصوله نحو الهدف بما يجعل النفوس منه مرعوبة ليحقق بذلك انجازاً لنفسه، لكنه لم يلتفت إلى أن القدرة والقابلية وإحراز التقدم وإمكانية التغلب والمواصلة، إنما هو في جانب الخير والأعمال الإيجابية لأنها تعاكس رغبة الإنسان بشكله العام، ومن دون لحاظ للمقومات الشخصية كالعصمة أو العلم أو التدين أو التقوى أو الخوف... لما لها من أثر كبير في تقويم الإنسان أو صرفه عن بعض توجهاته فيمكنه السيطرة على الرغبة والهوى الغالب.
بل الحديث عن الإنسان بطبيعته وتوجهاته الذاتية فأنه يعاني المشاق ويبذل الجهود لأجل أن يكون إيجابياً، فمثلاً لو أراد قهر نفسه فلا يتقدم نحو الحرام: السرقة، الغيبة، النميمة، الفتنة، الاعتداء على الغير، النيل من الغير، شرب الخمر، معاونة السلطان للوصول إلى الهدف، تحديث الغير، الانتصار بالقوة، كسر شوكة الطرف المعتدي، الاحتيال وغيرها مما يدخل ضمن خط الحرام، وكذلك عندما يتقدم نحو أداء الواجب فإنه يغالب هواه.
فهل تأدية الصلاة بالأوقات المعنية مع كافة الالتزامات الخاصة، وبأنواع الصلاة الواجبة المتعددة وبسائر الخصوصيات المعتبرة، مما يرغبه الإنسان دائماً وفي مختلف حالاته البدنية، النفسية، الأمنية، الاقتصادية، العاطفية...؟!
أو هل الصوم يلاءم الإنسان بما في الصوم من إمساك وآداب لا مجرد الإمساك عن المفطرات المعنية...؟!
أو هل دفع الحقوق المالية توافق رغبة الإنسان بحسب حرصه على جمع المال واستبقائه وعدم التفريط به أو توزيعه...؟!.
أو هل الجهاد يتفق مع حب الإنسان لنفسه وتشبثه بالحياة...؟!.
أو هل طاعة الوالدين تكون دائماً على وفق مزاج الولد...؟!.
أو هل عون المحتاج مما يسهل دائماً على الإنسان أو... أو ... من سائر الواجبات بمختلف مستويات الإلزام بها وعلى مختلف الصعد المثبتة للوجوب بالدليل الشرعي أو العقلي فإنها تحتاج إلى إقبال وتوجه نفساني واستعداد للتنفيذ من دون ما ترك أو تواكل لئلا يعتبر عاصياً ومقصراً.
ولكن جانب الشر أسهل وصولاً إلى الإنسان لأنه يتجاوب مع أهوائه ويتناغم مع حالاته النفسية التي تقدم – أحياناً – الشهوة بمتعلقاتها كافة، إنزال العقوبة بالمعتدي بمختلف الوسائل، الشهرة ولو بالباطل، وغير ذلك.
فالدعوة إلى أن يضبط الإنسان نفسه ويتوازن في تصرفاته فلا يفخر لو غلب بالشر على اختلاف مراحله ومستوياته في التأثير، وليعرف أن ذلك يعود عليه بالضرر ولو بعد ذلفك فلا يفوت ولا يفلت من المقابلة بالمثل فلا يفرح كثيراً فإنه لن يدوم عليه ذلك لأن الله تعالى خلق الإنسان وأراده أن يعمر الأرض وفق الموازين التي وضعها له من دون ما تجاوز أو تغليب للنوازع الشخصية وإلا لغدت الأرض أشبه ما تكون بغابة الحيوانات، وأهلها أِبه ما يكونون بقطيع كواسر متجول. وهو ما نزه الله تعالى عنه الإنسان فليجرب كل منا نفسه ليرى مدى استجابتها للترويض ... ولا يفاخر بالقوة([1]).
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 337-339.