بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
تأسف على حال الإنسان من مشفق عليه يدعوه لخيره ولما فيه إسعاده ورفعته ليكون قدوة في مجتمع انحسرت فيه المثل والمبادئ وحلت محلها الماديات بمختلف صورها المقيتة والمقبولة فبدا الانحلال عليه واضحاً وصار الناس وكأنهم مجموعة من الكائنات الحية التي لا تربطهم رابطة ولا يوحدهم دين واعتقاد.
وقد دعا عليه السلام الإنسان إلى أن يكتشف قدره ومحله من بين الموجودات بنفسه بعدما يستعرض:
أولاً: أنه لا يعلم وقت موته ولا مدة عمره فهو معرض في أي لحظة إلى الانتقال إلى عالم آخر، ومع ذلك يدعي لنفسه ما يدعي.
ثانياً: أنه يحتوي على مجموعة من العيوب الخَلقية والخُلُقية، فقد يكون فيه نقس ولادي أو عوق طارئ بما لا يجعله سوياً وقد يكون من يعاني من عقد نفسية تقصر به دون بلوغ المرتبة المتكاملة للإنسان الاعتيادي، أو يشعر بحقد أو حسد أو ضغينة أو توجه نحو بعض الخطوط الملتوية
أو انحراف إلى جهة مغايرة وما إلى ذلك من العيوب الخُلُقية التي تحول دون التفاخر والتشامخ – الفارغ – مضافاً إلى أنه في معرض الابتلاء بالمزيد من الآلام والأعراض التي تغير من طبيعة حياته ومجراها فيكون أسير الفراش لا يستطيع دفع الذباب عن نفسه.
ثالثاً: أنه مرصود من جهات تحصي عليه أعماله ولا يعرف النتيجة هل لصالحه أم لا، خصوصاً وأن حالة المراقبة والمتابعة تتعب الإنسان نفسياً بما يجعله خائفاً وجلاً تنغص عليه عيشه فهل يترك هذا مجالاً للمغرور وقول وأنا ...؟!.
رابعاً: أنه من الرقة بحيث تؤثر فيه البقة مع أنها حشرة صغيرة ما عساها تقوى على شيء سوى مد خرطومها الدقيق لتمتص ما يمكنها من الدم ومع ذلك يهيج ويتأثر ويتألم ويتوجع ويشكو – أحياناً – من ذلك الكائن الصغير الحجم الذي لا يهتم أحد لوجوده، فإذا كان هكذا حاله فه يعني – الإنسان – شيئاً كثيراً.
خامساً: أنه يعيش بنظام دقيق بحيث يتنفس وفق عمليات معينة فإذا اختلت وانسد مجرى الهواء بدخول حبة طعام فيه أو قطرة سائل فيغص وقد تكون نهايته بذلك لانقطاع سلسلة النظام الطبيعي لحياته فكيف يشمخ بأنفه على غيره، أما يخشى أن تفاجئه غصة من تلك الغصص وكم من الناس من مات بسبب الغصة والشرقة.
سادساً: أنه لو لم يزل الاوساخ عن جسده مدة معينة لفاحت وانتشرت منه رائحة منتنة تنفر منه الناس ولو كانوا ذوي قربى، ولشكوا ذلك إليه بما يخجله ويوقعه في المأزق. فإذا كان هذا حاله في الدنيا والمعطرات والمساحيق المنظفة بجنبه فكيف به فيما وراء الحياة وفي عالم القبر، فهل يمكنه بعد هذا التفاخر بكيت وكيت بما يوجع قلوب الاخرين ويؤذيهم بالقيل والقال مع أنه يحتوي على كل هذه.
وأعتقد أن التأمل في هذه الدعوة منه عليه السلام كاف للتخفف من غلواء النفس وحدتها بما يجعلها متعالية متغطرسة بل يهدئ من طبع الإنسان، فهو والحالة هذه أهون من أن تسلط عليه أقوى المعدات للإبادة بل يفقد راحته بالبقة، ويفقد حياته بالشرقة، ويفقد احترامه بين الناس بالعرق ونتانة ما يشمون منه، وهو قبل هذا ومعه وبعده لا يهتدي إلى سبيل إلا بتوقيف الله تعالى وتسديده وعونه، فأحسب أن التدبر ومحاولة العيش في هذه الأجواء كفيل بأن يعيد الواحد منا حسابه ليتعامل مع ربه ونفسه وغيره ممن حواليه بأسلوب أكثر مسئولية وأرق تعاملاً لئلا تبدو المعايب، فيهرج بها الأعداء ويتألم لها الأصدقاء وهذه الحكمة تصلح تعريفاً جامعاً لأفراد الإنسان بما يكشف النقاب عن الخصائص والمميزات ([1]).
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 343-345.