بقلم: د. زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
ورد حَدِيث الإمام عَلِيّ(عليه السلام) بقوله: ((مِن فِلِزّ اللُّجَيْن والعِقْيان))([1]). التركيب الغريب الذي ورد في حديثه(فِلِزّ اللّجَيْن). قال الخليل: ((الفِلِزّ والفُلُزّ: نُحاس أبيض يجعل منه قدور عظام مُفْرَغة))([2])، وَقيل الفِلزّ: جَمِيع جَوَاهِر الأَرْض([3])، والفِلِزّ كما ورد في اللسان بِالْكَسْرِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ: ((خَبَثُ مَا أُذيب مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَمَا يَنْفِيه الكِيرُ مِمَّا يُذَابُ مِنْ جَوَاهِرِ الأَرض))([4])، وأمَّا(اللُّجين) فقد ذكر اصحاب المعجمات ان: اللُّجين هي: الفِضَّةُ كزُبَيْرٍ، لَا مكبر لَهُ جاء مصغَّراً، مثل الثريَّا والكميت([5])لاسْتِصغارِ مَعْناه مَا دامَ فِي تُرابِ مَعْدِنِه([6]).
ذكر أصحاب الغريب معنى الفِلِزّ: هو كل مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجَوَاهِرِ المَعْدنِية، كالذَّهب والفِضَّة والنُّحاس والرَّصاص وأَشباهها. وَقِيلَ: هُوَ مَا يَنْفِيه الكِيُر مِنْهَا أو وَمَا يُرْمَى مِنْ خَبَثِها ([7])،وينتفع وبالفلز في صوغ الحليّ منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفة.([8]) وأمَّا معنى اللجين فقد قال الزمخشري: ((اللجين وَهِي الْفضة المضروبة كَأَنَّهُ فِي أَصله مصغر اللجن من قَوْلهم للورق الملجون وَهُوَ الَّذِي يخبط ويدق: لجن ولجين))([9]).
والمراد من ذلك التركيب أنّه لو صَبَّتْ الدنيا بما فيها من كنوز ومعادن مستترة في بطون الأرض وأوديتها وجبالها على شخص، لما كان لها تأثير قطرة في بحر بالنسبة لعظم خزائنه([10])،وقد استعمل الإمام(عليه السلام) الألفاظ في التركيب بدلالتها المركزية. إذ ليس هناك من تعبير أروع وأبلغ من هذا التعبير لوصف جوده وكرمه سبحانه وسعة رحمته وشمول آلائه إذ لم يجد سوى الدر والمرجان والذهب ليشبه كرم المولى-عز وجل-)([11]).
الهوامش:
([1]) النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/470، لسان العرب: (فلز) 5/392.
([2]) العين: (ف ل ز)7/368، وينظر: لسان العرب: (فلز) 5/392.
([3]) ينظر: المخصص: 3/57.
([4]) لسان العرب: (فلز) 5/392، وينظر: الصحاح: (فلز)3/890، ومقاييس اللغة: (فلز)4/451.
([5]) ينظر: العين: (لجن)6/124، وتهذيب اللغة: (لجن)11/56، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: (لجن)6/2193، وتاج العروس(لجن)36/100.
([6]) ينظر: تاج العروس(لجن)36/100.
([7]) ينظر: غريب الحديث: ابن سلام: 3/217، النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/470، غريب الحديث في بحار الأنوار: 3/357.
([8]) ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التَّنزيل: 2/523.
([9]) الفائق في غريب الحديث: 3/305.
([10]) ينظر: نفحات الولاية: 4/13-14.
([11]) مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص214-215.