بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
الدعوة إلى عدم الاعتماد على النسب، والحسب، والمفاخرة بالآباء والأجداد، لأن ذلك أمر ليس بعملي ولا يدوم طويلاً بل يسايره ما دام في بلد يعرفونهم أو زمان قد أدركوهم فيه، أو أناس يحترموهم وأما ما عدا ذلك فلا ينفعه شيئاً بل يدل على أشياء لا تساعده على تكوين شخصية مستقلة.
والدعوة إلى أن يتوجه الإنسان إلى إثبات وجوده والاستدلال على شخصيته وما يبرزها وما يؤطرها ضمن الإطار المحبب له من خلال العمل بمختلف مستوياته المقبولة وأشاكله المتعددة التي لا تخالف الشرع أو العرف أو العقل – طبعاً -.
فإن عنوانه الاجتماعي يتكون ويكتمل بمقدار ما يقدمه من خدمات وانجازات، وما يتركه ليخلّده بين الناس وأن ابتعد ببدنه عنهم.
فالحكمة في الواقع ترشد إلى أن يجهد الإنسان نفسه في مجال من مجالات الإبداع والإنجاز ولا يتكل على غيره أياً كان لأن ذلك إنما يلمع صورته ويجلّيها لو كانت هناك صورة، وذات تستحق الوجود، وأما ما عدا ذلك فلا يستحق أن يذكر ولا أن يقرن اسمه مع الأسماء بل من الضيم أن يسجل اسمه في عداد الأشخاص الذي يحترمون أنسفهم ولهم عقول ومستويات تكفير رقت بهم حيث لم يصل آباؤهم ولا أجدادهم وإنما نحتوا في الصخر ليكونوا شخصية بعيداً عن الأمجاد الموقوتة، وأقرب مثال على ذلك أن الإنسان يحتاج في سفره إلى وثيقة سفر صادرة ومؤيدة من الجهة الخاصة فإذا ما انتهى مفعول سريانها أو الغى نفادها فهل ينفعه الاحتفاظ بها مؤطرة محفوظة أم لابد من أن يبحث عما يعززها لتكون رديفاً ومعرفاً يستفاد منه في بعض الحالات الخاصة، فالواقع أن الانتساب شرف للمنتسب إذا كان بحجم الانتساب وبمستوى لا يلحق العار والشنار أو الفضيحة بالمنتسب إليه.
وينبغي لنا أن نتعلم من هذه الحكمة درساً تربوياً في الاستقلال والاعتماد على الذات والمنجزات التي ترفع من مستوى الشخص لتتحرك عجلة الحياة بما ينفع الجميع بينما يختص النفع في حالة الانتساب بالمنتسب خاصة.
ولعل ما حداه عليه السلام لأن يقول مقالته هذه ما كان يومها من رواج المفاخرة بين الأشخاص بالآباء والذي ما زلنا نعاني بعضها اليوم في بعض المجتمعات من الأشخاص الذي لم يقدموا شيئاً يذكر للبشرية بل هم عيال على غيرهم ووبال على المجتمع ولكنهم في مقام التفاخر والانتساب لا يسبقهم غيرهم.
ومن الآثار السلبية للمفاخرة أنها تستثير الحزازات القلبية لدى بعض الذين لم يسعفهم الحظ بقائمة من الأجداد ولا سلسلة من المآثر فيكون ما يكون([1]).
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 346-348.