بقلم: د. سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
ورد هذا اللفظ في خمسة مواضع من النَّهْج، ليدل على:
1) المعنى الحقيقي وهو الزَّهر، فجاء مفردا على زنة (فـُعْلَة) مصدرا للمرة منها قوله في بيان خلقة الطاووس قائلاً: «فَإنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الأرض قُلْتَ: جَنِىٌّ جُنِىَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيع، وَإنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْملابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِىِّ الْحُلَلِ » ([1]).
2) المعنى المجازي: ورد مجموعا على زنة (فَعَل) زَهَر جمع كثرة في قوله: «عِبَادَ اللهِ، إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ، فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ»([2]).
وجاء مجموعاً على زنة (أفاعيل) جمع وهي صيغة منتهى الجموع واصفاً للطاووس«وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ، فَهُوَ كَالاْزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيع، وَلاَ شُمُوسُ قَيْظ» ([3])، فقد شبَّه الطاووس بالأزاهير المبثوثة، ونبَّه الى كمال قدرة صانعها بأنها مع ذلك لم تربها أمطار الربيع: أي لم تعدها لتلك الألوان أمطار ربيع، ولا شموس قيظ ؛ لأنه لمَّا خيل أنَّها أزاهير، وكان من شأنها ألا تتكون إلاَّ في الرَّبيع بأمطاره، وحرارة شمسه المعدة لتنويره، أراد ان يبين عظمة صانعها بانها مع كونها أزاهير خلقها بلا مطر ولا شمس([4]).
وجاء(أزاهير) مضافا الى ضمير الغيبة العائد على الأرض في قوله: «فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا، وَبَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ الْـمَحْمُولِ عَلَيْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الأرض النَّبَاتَ، وَمِنْ زُعْر الْجِبَالِ الاْعْشابَ، فَهِيَ تَبْهَجُ بزِينَةِ رِيَاضِهَا، وَتَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا» ([5]).
بيان لطلاقة قدرة الخالق والموعظة والاختبار، لترسيخ الإيمان في نفس المؤمن أو هداية المنكر المشرك. وقد أخطأ من جمع (زهر على زهور)، وهذا ما نبهنا إليه الإمام (عليه السَّلام) فأورد الجمع منه (أزهار) على زنة (أفْعَال).
وهو ما ذكره محمد العدناني قائلاً: «إنَّ الصواب هو: أنَّ زّهْر شِبْهُ جَمْعٍ، ويقال له اسم جنسِ جمعي وواحده زَهْرَة وزَهَرَة. وجمع (زَهْر) هو: (أزْهار)، وجمع (أزهار) هو (أزاهِير)» ([6]).
والزًهْرةُ: نَوْرُ كلٍ نبات. وزَهرةُ الدنيا: حُسْنُها وبَهْجَتُها. وشَجَرَةٌ مُزهِرةٌ. والزُهُورُ: تلألؤ السٍراجِ الزًاهر، وزَهَر السراب زُهورا، أي تلألؤاً. والزٌهَرَةُ اسم كوكب([7]).
فـ» الزاء والهاء والراء اصل واحد يدل على حسن وضياء وصفاء. من ذلك الزهرة: النَّجم، ومنه الزًهْر، وهو نور كل نبات؛ يقال أزهر النًبات. وكان بعضهم يقول النور الأبيض، والزهر الأصفر، وزهرة الدُّنيا: حسنها([8]).
والزًهْرَةُ: نور كل نبات، والجمع زَهْرٌ، وخَصً بعضهم به الابيض. وزَهْرُ النبت: نوره، وكذلك الزًهَرَةُ، بالتحريك. قال: والزٌهْرَةُ البياض، وزَهْرَةَ الدنيا وزَهَرَتها: حُسنها وبهجتها وغضارتها قال تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}([9]).)(([10])).
الهوامش:
([1]) نهج البلاغة: خ، 165، 170.
([2]) خ 87، 77.
([3]) خ 165، 171.
([4]) ظ: شرح نهج البلاغة: البحراني: 3 / 289.
([5]) نهج البلاغة: خ 91، 91.
([6]) معجم الأخطاء اللغوية: 113.
([7]) ظ: العين (مادة زهر): 4 / 13.
([8]) ظ: مقاييس اللغة: 2 / 498.
([9]) يونس / 24.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 297-300.