البَاحِث: سَلَام مَكِّيّ خضيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطيبين الطاهرين، واللّعن الدَّائم على أعدائِهم ومبغضيهم وناكري حقّهم، من الأوَّلين والآخرين، ما بقيت وبقي اللَّيل والنَّهار إلى قيام يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فَفي أحد الشهور من السنة الهجرية النَّبويَّة المباركة وبالتّحَديد (شهر ذي القعدة) تحلّ فيه على العالم الإسلامي العديد من المناسبات البهيَّة المباركة، فمنها: ولادة غصن من أغصان الدَّوحة المُحمَّديَّة، وثامن الحج على الأُمَّة الإسلاميَّة، وهو الإمام الهمام عَلِيّ بن مُوسَى الرِّضا (عليه وعلى آبائه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام).
سيرته (عليه السَّلَام) وحالته الاجتماعية:
ولادته (عليه السَّلَام):
وُلِد الإمام عَلِيّ بن مُوسَى الرِّضا (عليه السَّلَام) وأشرق نور وجهه الشَّريف في الحادي عشرة من شهر ذي القعدة المبارك لسنة (148هـ)، في مدينة جدّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)[1].
اسمه (عليه السَّلَام) ونسبه: هو الإمام عَلِيّ الرِّضا بن الإمام مُوسَى الكاظم بن الإمام جَعْفَر الصَّادق بن الإمام مُحَمَّد الباقر بن الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد بن الإمام أمير المؤمنين عَلِيّ المرتضى، بن (عبد مناف) أبي طالب، بن عبد المطّلب، بن هاشم، بن عبد مناف (عليهم الصَّلَاة والسَّلَام)[2].
أُمّه (عليه السَّلَام): وقد ذكر المؤرخون وعلماء الأنساب أن أم الإمام عَلِيّ بن موسَى الرِّضا (عليه السَّلَام) هي: السَّيِّدة تكتم، وتسمى نجمة، وأروى، وسمانة، وأم البنين، وخيزران، وصقر، وشقراء، والطَّاهرة، وهي أم ولد ويقال لها: (أُم أَنَس)، فكان لها دور بارز في تربية الإمام الرِّضا (عليه السَّلَام)، ولها أيضًا من الفضل والجلال والعفّة والعبادة ما فاقت به نساء زمانها، فكانت بذلك قرينة لإمام معصوم (عليه السَّلَام)[3].
كنيته (عليه السَّلَام) وألقابه:
كان الإمام الرِّضا (عليه السَّلَام) يُكنَّى بأبي الحسن الثَّاني[4]، وبأبي مُحمَّد، وكان (عليه السّلَام) يُلَقَّب بألقاب عدّة منها: الرِّضا والمرتضى، والوفي والصّدّيق، والصَّابر وأنيس النّفوس، وغريب طوس وغُرّة أعين المؤمنين، ومكيد الملحدين، والفاضل ونور الهُدى، وربّ السّرير، وكافي الخلق ورأب التدبير وغيرها[5]، ويقال: إنما سُمي الرّضا، لأَنّه كان رضي الله تعالى في سمائه، ورضي لرسوله والأئمة (عليهم السَّلَام) بعده في أرضه، وقيل: لأَنَّه رضى به المخالف والمؤالف[6].
نشأته (عليه السَّلَام) وتوليته أمور الأُمَّة:
لنتمكن من الخروج بصورة واضحة عن الجو الذي عاش فيه مولانا السَّيِّد الطَّاهر الجليل والإمام المعصوم (عليه السَّلَام) المُنَّصب حُجَّة على العالمين من الله (سبحانه وتعالى) والبيت الذي تلقى فيه تربيته، فإن للأب والأم دورهما الكبير والفعال في سلوك الوليد ونشأته وانعكاس أخلاق الأبوين عليه، فنشأ الإمام (عليه السَّلَام) في ظلّ حنان أبيه الإمام مُوسَى الكَاظم (عليه السَّلَام) وأُمّه السَّيِّدة تكتم، في بيت يسوده الإيمان والحبّ في الله تعالى والأُلفة، وأقام مع أبيه تسعاً وعشرين سنة وأشهراً[7]، وبعد شهادة أبيه الإمام مُوسَى بن جَعْفَر الكَاظم (عليه السَّلَام) عشرين سنة إلَّا شهرًا[8]، مسك زمام الأُمّة الإسلاميَّة كونه الإمام الشّرعي لها وتولَّى أمورها الدينيَّة والشرعيَّة، فكان أحد الحُجَج الذين وَجَّب الله تعالى توليتهم وطاعتهم على الخلق، كان (عليه السَّلَام) متوسّمًا بالتَّواضع والزّهد والعلم والمعرفة بحدود الله تعالى وبكلّ شيء، ومثالًا يُحتذى به بالكرم والشَّجاعة وبجميع المناقب والفضائل الحَسِنة الأخرى التي لا حدّ لها، فهو سليل النّبوَّة وبضعتها، فكيف لا تجتمع فيه الفضائل جميعها؟.
ثواب زيارته (عليه السَّلَام) وفضلها:
هناك العديد من الرّوايات والأحاديث التي تُبيّن ثواب زيارة الإمام عَلِيّ بن موسى الرِّضا (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام) وفضلها، فورد عن جدّه أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد البَاقِر (عليه السَّلَام) في فضل زيارته (عليه السَّلَام) قَال: (يخرج رجل من ولدِ مُوسَى – أي الإمام مُوسَى بن جَعْفَر الكاظم (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام)- اسمه اسم أمير المؤمنين ... فمن زاره عارفًا بحقًه أعطاه الله تعالى أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل)[9]، وعن الإمام جعفر بن مُحمَّد الصَّادق (عليهما الصَّلَاة والسَّلام) في فضل زيارة الإمام عَلِيّ بن مُوسَى الرِّضا (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام)، من حديثٍ طويل قال: (...ألا من زاره في غربته وهو يعلم أنه إمام بعد أبيه مفترض الطاعة من الله (عزَّ وجلّ) كان كمن زار رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم))[10].
وورد عنه (عليه السَّلَام) أنَّه قال عن ثواب زيارته وفضلها: (من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتَّى أخلّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكُتب يمينًا وشمالًا، وعند الصّراط والميزان)[11]، وَقَالَ الإمَام أَبو جَعْفَر الثَّانيّ مُحَمَّد الجَوَاد (عليه السَّلَام) في حقِّ زيارة أبيه عَلِيّ بن موسَى الرِّضا (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام): (من زار قبر أَبيّ غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأَخّر)[12]، والحديث عنه (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) وعن مناقبه وفضائله يطول ولكن نقول: إنَّ الحديث عن هكذا شخصيَّة إلهيَّة لا تكفيه هذه الكلمات والسطور القليلة، ولكن هذا ما يسعنا، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من الموالين له (عليه السَّلَام) ومن شيعته الخلَّص إنَّه سميعٌ مُجيب، وصلَّى الله تعالى على سيِّدنا وشفيع ذنُوبنَا وَمَولَانا ونبيّنا أَبِي القَاسمِ مُحَمَّد وآله المنتجبين.
الهوامش:
[1] ينظر: تحرير الأحكام، العلَّامة الحلّيّ: 2/124، والحدائق النَّاضرة، المحقق البحراني: 17/437.
[2] ينظر: دلالة الإمامة، مُحمَّد بن جرير الطَّبريّ (الشِّيعيّ): 358.
[3] ينظر: تحرير الأحكام، العلّامة الحليّ: 2/124، والفَاطِمَة المَعْصُومَة (عليها السَّلَام)، مُحمَّد عَليّ المُعلّم: 23-24.
[4] ينظر: تاج المواليد (المجموعة)، الشَّيخ الطُّوسي: 48.
[5] ينظر: الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي: 279، ومناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: 3/475، والوافي، الفيض الكاشانيّ: 14/1548.
[6] أعيان الشيعة، السَّيِّد مُحسِن الأمين: 2/13.
[7] رسائل آل طوق القطيفي، أحمد بن الشَّيخ صالح آل طوق القطيفي: 4/109.
[8] الهداية الكبرى: 279.
[9] الوافي، الفيض الكاشاني: 14/1548.
[10] المصدر نفسه: 14/1548.
[11] تذكرة الفقهاء، العلامة الحلّيّ: 8/455.
[12] المقنَّعة، الشَّيخ المُفيد:480.