وفاة مولاتنا خديجة الكبرى سلام الله عليها

مقالات وبحوث

وفاة مولاتنا خديجة الكبرى سلام الله عليها

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 04-05-2020

الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد
أول من أسلم من النساء وثاني من صدق برسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعد أمير المؤمنين (عليه السلام)، سيدة جليلة طاهرة مطهرة، حملت بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وثقل الإمامة (فاطمة) فكانت الوعاء الطاهر لها، حتى غدت فرع الشجرة المباركة التي أصلها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هي مولاتنا اسيدة خديجة الكبرى (سلام الله عليها).
هِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّهَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ([1])، ولدت سلام الله عليها قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة([2])، وهي أولى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)([3]).
تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في الخامسة والعشرين من عمره الشريف([4])، كَانَتِ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ([5])، فكانت نعم السند له، وقفت إلى جانبه في بداية البعثة ومن ثم في مراحل الدعوة الإسلامية، وانفقت مالها كله في سبيل الإسلام حتى (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة (عليها السلام)، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفك من مالها الغارم والعاني)([6])، وقال أيضا: (ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف علي بن أبي طالب)([7]).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) شديد الحب لها، وكثير الذكر لها بعد وفاتها سلام الله عليها، إذ روي عَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ لا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى يَذكر خَدِيجَةَ، فَيُحْسِنُ عَلَيْهَا الثَّنَاءَ، فَذَكَرَهَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ، فَأَدْرَكَتْنِي الْغِيرَةُ فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ إِلا عَجُوزًا قَدْ أَخْلَفَ اللهُ لَكَ خَيْرًا مِنْهَا؟.
قَالَتْ: فَغَضِبَ حَتَّى اهْتَزُّ مُقَدِّمُ شَعْرِهِ مِنَ الْغَضَبِ، ثُمَّ قَالَ: «لا وَاللهِ، مَا أَخْلَفَ اللهُ لِي خَيْرًا مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ إِذْ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي، وَرَزَقَنِي اللهُ أَوْلادَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ»)([8]).
ويكفيها من عظيم الشأن أنها أم لبضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي فقد خصها الله بهذه الكرامة إضافة لما لها من كرامات كثيرة منها أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عاش في بيتها عندما تكفله رسول الله (صلى الله عليه وآله).
عاشت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل البعثة وبعدها وكانت خير زوج له ورافقت نزول الوحي والأحداث التي حدثت في تبليغ الدعوة، والنفي إلى شعب أبي طالب رضوان الله عليه، ثم جاء موعد الفراق في ذلك العام الذي أطلق عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام الحزن الذي ماتت فيه خديجة وكذلك كافله عمه أبو طالب، إذ تنقل الروايات أَنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مُصِيبَتَانِ، موت خَدِيجَةَ وَأَبِي طَالِبٍ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الإِسْلامِ، وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَسْكُنُ إِلَيْهَا، وَكَانَ موتهُمَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ مَضَيْنَ مِنْ مَبْعَثِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وسلّم قَبْلَ مُهَاجِرِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله َوسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ. وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ خَدِيجَةَ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ. وَلما مات أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنَ الأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ فِيهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ فَنَثَرَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، فَدَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي ورَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يقول: «لا تبك يَا بُنَيَّةُ فَإِنَّ الله مَانِعٌ أَبَاكِ» وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: «مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ([9]).
وجاء في الأثر أنه عندما اشتد المرض بخديجة سلام الله عليها (دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَهِيَ فِي مَرَضِهَا الَّذِي تُوِفِّيَتْ فِيهِ، فَقَالَ لَهَا: «يَا لَكُرْهٍ مِنِّي مَا أَرَى مِنْكِ يَا خَدِيجَةُ وَقَدْ يَجْعَلُ الله فِي الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الله قد زَوَّجَنِي مَعَكِ فِي الْجَنَّةَ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ وَكَلْثَمَ أُخْتَ مُوسَى، وَآسِيَا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» . قَالَتْ: وَقَدْ فَعَلَ الله ذَلِكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَتْ: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ. قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ. وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهَا([10]).
فسلام عليها من صديقة طاهرة، نسأل الله العلي القدير أن يرزقنا شفاعتها يوم الورود إنه سميع الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهاومش:
([1]) سيرة ابن هشام: 1/ 189،
([2]) الطبقات الكبرى، ابن سعد: 8/ 13.
([3]) المصدر نفسه: 8/ 42.
([4]) ينظر: الاستيعاب: 1/ 25.
([5]) ينظر: تاريخ الإسلام: 1/ 51.
([6]) الأمالي، الطوسي: 468.
([7]) شجرة طوبى: 2/ 233.
 ([8])طبقات ابن سعد 1/ 1/ 84، 8/ 35، وتاريخ الطبري 2/ 280- 283، 298، 307، 309، 311، 312، 316، 317، 336، 343، 367، 468، والبداية والنهاية 3/ 127، المنتظم من تاريخ الملوك والأمم: 3/ 18.
([9]) ينظر: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: 1/ 151.
([10]) المنتظم من تاريخ الملوك والأمم: 3/ 19.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2553 Seconds