التطاول على أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) في تزويج نفسها بالحيلة؟ والرد على ذلك.

مقالات وبحوث

التطاول على أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) في تزويج نفسها بالحيلة؟ والرد على ذلك.

856 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 28-09-2023

بقلم: السيد نبيل الحسني.

أشارت بعض المصادر إلى أن خديجة (عليها السلام) قد أبدت رغبتها في الزواج من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)([1]).

وبما أنها (امرأة حازمة جلدة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا)[2] ، فقد جعلت الإفصاح عن هذا الزواج عِبْر امرأة أخرى ، قيل: هي نفيسة بنت منية[3]، وقد أرسلتها دسيساً إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فأخبرته برغبة خديجة في الزواج منه، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وأعلم عمّه بذلك،  فذهب  أبو طالب شيخ الأبطح (عليه السلام) في أهل بيته ونفر من قريش إلى ولي خديجة وهو عمها عمرو بن أسد، وليس إلى أبيها كما ذكره ابن إسحاق وصححه ابن سعد والسهيلي في أن خويلداً قد مات في حرب الفجار قبل ذلك([4]).
وخطبها أبو طالب لأبن أخيه؛ إلاّ أن سياق بعض الروايات التاريخية التي تناولت هذه الحادثة، أي زواجها (عليها السلام) قد تجاوزت حدود اللياقة والأدب ، فضلاً عن التعدي على مقام السيدة خديجة (عليها السلام) ، وذلك لما روي من أنها (تواطأت مع أختها، وسقت أباها الخمر حتى ثمل ، ونحرت بقرة ، وخلقته بخلوق ، وألبسته حلة
حبرة ، فلما صحا ، قال: ما هذا العقير ، وما هذا العبير ، وما هذا الحبير؟!!
قالت: زوجتني محمدا، قال: ما فعلت!! أنا أفعل هذا وقد خطبك أكابر قريش، فلم أفعل!! ([5]) ؛ فهذه الرواية وإنْ أنكرها البعض إلاّ أنها تركت على عهنها ولم ترد، وقد تناقلتها كثير من المصادر والدراسات مما يفسح المجال لضعاف النفوس بالتطاول على مقام أم المؤمنين خديجة (عليها السلام)، وذلك:

إرساءإرساءأولا: مخالفة الرواية لسيرة العقلاء.
فلو حدث هذا الفعل في أصغر البيوتات شأناً لاستهجن أحد الطرفين الأمر، سواء كانوا من أهل الخاطب أو المخطوب؛ فكيف إذا كان الخاطبون من أهل الشرف والرفعة، وبيدهم سقاية الحاج ورفادة البيت الحرام، أن يخطبوا إلى رجل قد غلب عليه السكر، فهو لا يعلم ما يقول.
إرساء إرساءثانياً: سقوط إلزام الولي بما قال .
وكيف سَيُلزم ولي خديجة – آن ذاك - بقول لا يدرك القصد فيه! فيقال له: لقد زوّجت خديجة!! فيقول: لم أفعل؟

إرساءإرساءثالثاً: خطبة أبي طالب في الزواج ترد هذه الفِرية.
كما أن الخطبة التي ألقاها أبو طالب (عليه السلام) في زواج النبي(صلى الله عليه وآله) قد اشتملت على بيان الخصال الكريمة والسجايا الفضيلة، مما يستدعي السامع أن يعي معاني كلماته، ولو كان ولي أم المؤمنين خديجة(عليها السلام) مخموراً سيكون كلام أبي طالب(عليه السلام) في محل ترجيح بلا مرّجح، وبيان ما لا يلزم بيانه، وهذا مخالف لسيرة العقلاء ، ولشأنه وزعامته لبني هاشم ، وأنه شيخ الأبطح .
وتنقل الرواية أيضاً: أن ولي خديجة عندما أفاق من سكره وعرف بأمر زواج خديجة ، قال: لم أفعل؛ لكنه عندما رأى النبي (صلى الله عليه وآله ) قال: الآن قبلت؟!

وهذا غير مقبول أيضاً، لما يلي:
1. لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد عُرِفَ بين قريش بالصادق الأمين واشتهر بالخلق الكريم، وتحدثت بأمانته الجماعات المكية في سمرها، وفي مجالسها([6]). وهذا يعني أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن مجهولاً ولاسيما عم خديجة (عليها السلام)؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) له صلة القرابة مع خديجة (عليها السلام) فكلاهما قرشي وجدهما قصي ، فكيف يصدّق أن عمرو بن أسد ، أي عم أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) لا يعرفه .

2. فضلاً عما ذكر فإن والد خديجة قد مات قبل ذلك في حرب الفجار فمن أين أتت به خديجة حتى تسقيه خمراً ؟! – والعياذ بالله - فكفى بهذا دليلاً على بطلان الرواية، وكفى بها بياناً لتدخل الولاة في صياغة التاريخ والنيل من شخص النبي (صلى الله عليه وآله). (يتبع).[7].

الهوامش:
([1]) الطبقات الكبرى ، ابن سعد: ج1، ص131؛ الإصابة ابن حجر: ج8، ص101؛ عيون الاثر ، ابن سيد الناس: ج1، ص72.
  الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ج1 ص131 [2]
  الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ج1 ص131 [3]
([4]) الروض الأنف ، السهيلي : ج1، ص213؛ مناقب خديجة الكبرى ، محمد بن علوي المالكي: ص14.
([5]) السيرة الحلبية، الحلبي: ج1، ص224  ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي: ج9، ص354 ؛ الطبقات الكبرى ، ابن سعد: ج1، ص132.
([6]) خاتم النبيين: ج1، ص198.
[7] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة ، تأليف السيد نبيل الحسني : ص 106 – 108 ؛ إصدار العتبة الحسينية المقدسة ، ط1 مؤسسة الأعلمي لسنة 1432هـ -  2011 بتصرف وبعض الإضافة .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2970 Seconds