بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
اشتملت وصية أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في أمواله على جملة من العنوانات الشرعية والعقدية، فضلا عن اكتنازها للعديد من المصاديق والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية وغيرها، وهو ما سنعرض له عبر جملة من المقالات، وهي على النحو الآتي:
أولا: قصدية الانفاق في سياق العرض القرآني
ورد لفظ (وجه الله) في القرآن الكريم ملازماً للأنفاق وأرتكازه -كما عند المفسرين- على الإنفاق في المال.
ولذا:
نجده (عليه السلام) حينما ابتدأ الوصية قال:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به، وقضى به في ماله عبد الله علي، ابتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة، ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه».
وهذا المعنى والقصدية التي جاءت في مقدمة الوصية ترشد الى ان الانفاق في المال ملازم في انجازه وحصوله والاقدام عليه لوجه الله تعالى.
وهو ما نراه في جملة من الآيات المباركة، وهي كالاتي:
1- قال تعالى {..... وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[1].
2- قال تعالى {فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[2].
3- قال تعالى {..... وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}[3].
فالآيات المباركة تخصص الإنفاق في المال بالخير وتلازمه لوجه الله تعالى.
وهو ما ذهب اليه أغلب المفسرين لهذه الآيات، لاسيما قوله تعالى:
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ}.
ومما جاء في أقوالهم لبيان قصدية الإنفاق:
1- قال الشيخ الطوسي (ت 460هـ) بعد أن تعرض لبيان الآية التي سبقت آية الانفاق وما تعلق بها من أمر الهداية للناس، فقال:
(فهذا يجب إلا تمنّوا بالصدقة والانفاق: إذ كان لأنفسكم من حيث هو ذخر لكم ولإبتغاء وجه الله الذي هو يوفر به الجزاء لكم فهو من كل وجه عائد عليكم وليس كتمليك الله لعباده إذ نفعه راجع عليهم كيف تصرفت الحال بهم؛ فلذلك افترق ذكر العطية منه تعالى، والعطية من غيره)[4].
2- قال الشيخ الطبرسي (ت 548هـ) بعد أن اورد الآية:
({وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ} (من مال)، {فَلِأَنْفُسِكُمْ} فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم، فلا تمنوا به على من تنفقونه عليه ولا تؤذوه، {وَمَا تُنْفِقُونَ} أي: وليست نفقتكم، {إِلَّا} ل، {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} ولطلب ما عنده فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يتوجه بمثله الى الله.
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ}، أي:
ثوابه اضعافاً مضاعفة، فلا عذر لكم ان ترغبوا من الانفاق وان يكون على أحسن الوجوه وأجملها)[5].
3- قال العلاّمة الطبطبائي: (سياق الآيات من حيث اتحادها في بيان أمر الانفاق، ورجوع مضامينها واغراضها بعضها إلى بعض يعطي انها نزلت دفعة واحدة، وهي تحث المؤمنين على الانفاق في سبيل الله تعالى، فتضرب أولا مثلا لزيادته ونموه عند الله سبحانه: واحد بسبعمائة، وربما زاد على ذلك بإذن الله، وثانيا مثلا لكونه لا يتخلف عن شأنه على أي حال وتنهى عن الرياء في الانفاق وتضرب مثلا للإنفاق رياءً لا لوجه الله، وانه لا ينمو نماءً ولا يثمر أثرا، وتنهي عن الانفاق بالمن والأذى إذ يبطلان أثره ويحبطان عظيم اجره، ثم تأمر بأن يكون الانفاق من طيب المال لا من خبيثه بخلا وشحا، ثم تعين المورد الذي توضع فيه هذه الصنيعة وهو الفقراء المحضرون في سبيل الله، ثم تذكر ما لهذا الانفاق من عظيم الاجر عند الله.
وبالجملة الآيات تدعو إلى الإنفاق، وتبين أولا: وجهه وغرضه وهو ان يكون لله لا للناس، وثانيا: صورة عمله وكيفيته وهو أن لا يتعقبه المن والأذى، وثالثا: وصف مال الانفاق وهو ان يكون طيبا لا خبيثا، ورابعا: نعت مورد الانفاق وهو ان يكون فقيرا احصر في سبيل الله، وخامسا: ما له من عظيم الاجر عاجلا وآجلا)[6]. ([7]).
الهوامش:
[1] سورة البقرة، الآية (272).
[2] سورة الروم، الآية (38).
[3] سورة الروم، الآية (39).
[4] التبيان: ج2 ص354.
[5] تفسير جوامع الجامع: ج1 ص248.
[6] تفسير الميزان: ج2 ص383.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة عليها السلام في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة. ج4/ ص 250-252.