وضع السلطة الأموية للمثالب في سيرة الإمام علي (عليه السلام) في حربها الإعلامية.

مقالات وبحوث

وضع السلطة الأموية للمثالب في سيرة الإمام علي (عليه السلام) في حربها الإعلامية.

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-01-2022

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
لقد تزامنت مع الإجراءات الأموية في محاربة فضائل الإمام علي (عليه السلام)، مرحلة أخرى هي مرحلة وضع المعايب والمثالب للإمام علي بدلاً من المناقب ليبغّضوه للناس، وساعد على ذلك عوامل البغض والحسد له، فإن عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن عليّ(عليهم السلام) قائلين فيه السوء[1].
وسنكتفي بإيراد شاهد واحد من المحدثين وهو: حريز بن عثمان أبو عون الحمصي قال عنه ابن حجر (852هـ/1488م): أنه كان شديد التحامل على الإمام علي، يتنقصه وينال منه، ويعمد إلى قلب فضيلة: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) فيقول: حق ولكن اخطأ السامع... إنما هو: (أنت مني بمنزلة قارون من موسى)، وروى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة ليقع النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان يلعن الإمام علياً (عليهم السلام) في الغداة والعشي[2].

وذكر الجوهري (ت323هـ/934م):
أن حريزاً كان يقع في الإمام علي، ويروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد علي بن أبي طالب. وقد سُئل عن سبب بغضه للإمام علي قال: لأنه قتل أجدادي[3].
ومن المنحرفين عن الإمام علي (عليهم السلام) ((مَنْ كتم مناقبه، وأعان أعداءه ميلاً مع الدنيا وإيثاراً للعاجلة))[4].
وقد تبلور هذا الإجراء بعد أن وضع معاوية قوماً على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يُرغَب في مثله؛ فاختلقوا ما أرضاه[5].
وتبدو أهمية هذه المرحلة في أن محاولات طمس فضائل الإمام علي وتغييبها لم تعد ارتجالية وغير منظمة، وإنما تحولت في عهد معاوية بن أبي سفيان إلى حركة ذات طابع جماعي منظم ومخطط له مسبقاً؛ ولذلك وصلت من حيث التأثير والنتائج إلى ما لم تصل إليه محاولات السابقين[6].
وتفاقم هذا الأمر في عهد عبد الملك بن مروان وولاية الحجاج على العراق ((فتقرّب إليه أهل النُسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه، وموالاة مَنْ يدعي من الناس أنهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغضّ من عليّ(عليهم السلام) وعيبه، والطعن فيه...))[7].
ومما ساعد على نشر هذه المطاعن–التي باء بكبر افتعالها القراء المراؤون والمتصنعون الذين يظهرون الخشوع والنسك–واستمرار بقائها أنها انتقلت إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنها حق[8].
وبمرور الزمن أدت العصبية المذهبية–التي غذاها الأمويون لسنوات طويلة–بين مَنْ أُطلق عليه اسم البكرية من المسلمين المتعصبين للخليفة أبي بكر وبين شيعة علي إلى إخراج الفريقين ((من ذكر الفضائل إلى ذكر الرذائل، ومن تعديد المحاسن إلى تعديد المساوئ والمقابح))[9].
فذكرت البكرية مطاعن كثيرة في الإمام علي، ونسبوه تارة إلى ضعف العقل، وتارة إلى ضعف السياسة، وتارة إلى حب الدنيا والحرص عليها[10].
وفي قبال نشر المطاعن هذه كان يتم التكتم على رواية مناقب الإمام علي(عليهم السلام) طوال عهد عبد الملك (65–86هـ/685–705م)، والوليد بن عبد الملك (86–96هـ/705–715م)، وسليمان بن عبد الملك (96–99هـ/715–717م) وعمر بن عبد العزيز (105–125هـ/724–743م)، الذين لزمهم المحدث الزهري (ت123هـ/ أو 125هـ/740م أو 742م)[11].
نستشف ذلك من رواية معمر عنه حديثاً في فضل علي(عليهم السلام). فقال: ((حدثني الزهري، وقد حدثني في مرضةٍ مرضها ولم أسمعه يحدث عن عكرمة قبلها أحسبه ولا بعدها، فلما بَلّ من مرضه ندم فقال لي: أُكتم هذا الحديث واطوه دوني، فإن هؤلاء–يعني بني أمية–لا يعذرون أحداً في تقريض عليّ وذكره، [قال معمر:] قلت: فما بالك أوعبت مع القوم يا أبا بكر وقد سمعت الذي سمعت [من فضل عليّ]؟!! فقال: حسبك يا هذا أنهم شركونا في لهاهم [عطاياهم الجزيلة] فانحططنا لهم في أهوائهم))[12].
وإذا كان هذا النص يوقفنا على تماهي الزهري مع رغبات مَنْ لزمهم من سلاطين بني أمية طمعاً بما أغروا به المحدّثين، فهناك ما يدلنا على أنه كتم فضائل أمير المؤمنين، وترك التحديث بها خوفاً على نفسه من انتقام حكام بني أمية[13].[14].

الهوامش:
[1] ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/58–80.
[2] تهذيب التهذيب، 1/376–377.
[3] السقيفة، ص53–54؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/376.
[4] ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/58. ومن الأمثلة على مَنْ كتم مناقب الإمام علي في مرحلة مبكرة زيد بن أرقم إذ قال: ((نشد عليّ الناس في المسجد، قال: أُنشد الله رجلاً سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَنْ عاداه، فكنت أنا ممن كتم فذهب بصري)). ابن البطريق، العمدة، ص106–107.
[5] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4/50، وتنظر نماذج من هذه المختلقات على لسان أبي هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعروة بن الزبير في المصدر نفسه، 4/51–57. وينظر عن الوضع في العصر الأموي وأسبابه. الأميني، الوضاعون، ص14–32.
[6] البلداوي، فضائل أهل البيت، ص88.
[7] ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11/38.
[8] ابن قيس، كتاب سليم، ص319؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11/38.
[9] ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11/40.
[10] المصدر نفسه، 11/40.
[11] الذهبي، سير أعلام، 4/447.
[12] المغازلي، مناقب علي، ص154، وينظر: كلام اخت المحدث الزهري واتهامها له بأخذ جوائز بني أمية وكتمان فضائل آل محمد. ابن عساكر، تاريخ دمشق، 45/172.
ومما يجدر ذكره أن النص الآنف الذكر يبين أن الزهري لم يحدث بفضائل الإمام علي إلاّ في وقت مرضه الذي ربما ظن أنه يؤدي به إلى الموت فلا ضرر ولا خسارة إذا ما حدث بما حدث ويقودنا ذلك إلى ما أثاره الكاتب القدير باسم الحلي من إشكال يرد في سلوك عدد من خصوم الإمام علي الذين عرفوا بعدائهم له، أو على الأقل انحرافهم عن تأييده واعتزاله ومع ذلك يؤثر لهم أحاديث في فضله ومناقبه، وقد فسّره بنظرية (الثابت والمتحول) من سلوكهم وفقاً لعوامل تاريخية، وظروف شخصية، وأوضاع فردية لكل واحد منهم وإن اشترك الجميع في أصل مبدأ الخصومة، ومتى ما صار تقريظ علي ليس له–كما ظنوا–أي تأثير على عملية الصراع.
لمزيد من تفاصيل هذا الرأي ينظر: سنة الرسول المصطفى، ص699–701.
[13] ينظر: ابن الأثير، أسد الغابة، 2/27.
[14] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 106-110.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3202 Seconds