من مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب قوله (عليه السلام): ((إذا اجتمع المسلمان فتَذاكَرا غَفَرَ اللَّه لأَبَشِّهِما بِصاحِبه))

مقالات وبحوث

من مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب قوله (عليه السلام): ((إذا اجتمع المسلمان فتَذاكَرا غَفَرَ اللَّه لأَبَشِّهِما بِصاحِبه))

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 12-10-2022

بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.

وبعد:
 قال ابن منظور في بيان اسم التفضيل، وهُو الصِّفةُ الدَّالَّة على المُشَاركَة والزِّيَادَة نَحْو أفضل وأعلم وأكْثر على زنة(أفْعَل)، أي: دلَّ على شَيئينِ اشتركا في صفةٍ، وزادَ أحدُهما على الآخرِ في تلكَ الصِّفةِ([1]). ولهُ وزنٌ واحدٌ هو(أفْعَل)، وقد ورد في المرويَّاتِ(أربع) مرَّاتٍ.

 أمَّا حالاتُه من حيثُ المعنى؛ فهي ثلاثٌ([2]):
1ـ  الدَّلالة على شيئينِ اشتركا في صفةٍ، وزادَ أحدُهما على الآخرِ في تلكَ الصِّفةِ نحو: (أنا أكثرُ من محمَّدٍ مالًا).

2ـ  أن يُرادَ به إثبات الوصفِ لمحلِّه من غيرِ نظرٍ إلى تفصيلٍ، (محمَّدٌ وعليٌّ أعدلا الخلقِ)، أيْ: هما العادلانِ، ولا عدلَ في غيرِهِمَا، وهنا تجبُ المُطابقةُ.

3ـ  أنْ يُرادَ به أنَّ شيئًا زادَ في صفةِ نفسهِ على شيءٍ آخر في صفتهِ، فلا يكونُ بينهمَا وصفٌ مُشتركٌ، نحو: (العسلُ أحلى من الخلِّ)، و(الشِّتاءُ أَبردُ من الصَّيفِ)، والمعنى: أنَّ العسلَ زادَ في حلاوتِهِ على الخلِّ في حموضتِهِ، والشِّتاءُ زادَ في بردِهِ على الصَّيفِ في حرِّهِ.

 ويأتي اسمُ التَّفضيلِ في الكلامِ مُجرَّدًا من الإضافة، أو مُضافًا، أو مُعرَّفًا بالألفِ واللَّام. ويكونُ بمعنى بعضٍ، إنْ أُضِيفَ إلى معرفةٍ، وبمعنى كلٍّ، إنْ أُضيفَ إلى نكرةٍ؛ ولهذا يُقالُ: ( أفضلُ الرَّجُلين زيدٌ، وأفضلُ رجلينِ الزَّيدانِ)([3]).

 يُصاغُ اسمُ التَّفضيلِ من الفعلِ الثُّلاثيِّ، المُجرَّدِ، التَّامِ، المُتَصرِّفِ المبنيّ للمعلوم، والقابل للتَّفاوِتِ، فَلا يُشتقُّ من الأفعالِ الَّتي لا تَفَاوتَ فيها نحو: (مَاتَ، و فَنِي، فلا يُقالُ: هو أفنى، وأموت)، وأنْ لا يَكون الوصفُ مِنهُ عَلى وزنِ(أفعل، فَعلاء)([4]).

 وقدْ وردَ اسمُ التَّفضيلِ في مَواضِعَ قليلةٍ في مرويَّات الإمامِ عليٍّ(عليه السَّلام)، ومِن ذَلكَ قَولُ ابنِ منظور في معنى(البَشّ):«البَشّ: اللُّطْفُ في المسأَلة والإِقبالُ عَلَى الرَّجُل، وقِيلَ: هُو أَنْ يَضْحَكَ لَهُ ويَلْقَاهُ لِقَاءً جَمِيلًا، والمَعْنَيَانِ مُقْتَرِبان، والبَشاشة: طَلَاقَةُ الوَجْهِ. وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ، (رِضْوَانُ اللَّه عليه): إِذا اجْتَمَعَ المُسْلِمَانِ فتَذاكَرا غَفَرَ اللَّهُ لأَبَشِّهِما بِصاحِبه»([5]).

 في النَّصِّ كلمةٌ على زِنَةِ(أفْعَل)، هِي(أَبَشّ) وهي اسمُ تفضيلٍ، مُشتقَّةٌ منِ الفعلِ الثُّلاثيِّ(بَشَّ)، قَالَ الخليلُ: «البَشُّ: اللُّطفُ في المسألةِ، والإقبالُ على أخيكَ، تقولُ: بَششْتُ بشًّا وبَشَاشةً»([6]).

 قالَ ابن الأثير في معنى البَشاشةِ: «البَشّ: فَرَحُ الصَّديقِ بِالصَّدِيقِ، واللُّطفُ في المَسْأَلَةِ والإِقْبَالُ عليه، وقَدْ بَشِشْتُ بِهِ أَبَشُّ»([7])، والبشاشة تعني طلاقة الوجه([8]).

 يتَجلَّى في النَّصِّ بُعدٌ أخلاقيٌّ مهمٌّ، وهو ضرورةُ لقاءِ المسلمينَ بالبِشْرِ وطلاقةِ الوَجهِ، كَمَا أكَّدتْهَا وحثَّتْ عليها كثيرٌ من الأحاديث، وجَاءَ تعبيرُ الإمَامِ(عليه السَّلام)، باسمِ التَّفضيلِ(أبشّ) مُضَافًا إلى الضَّميرِــ وهو أحدُ المَعارفِ ـــ وكمَا هو مَعْلومٌ، إنَّ اسمَ التَّفضيلِ إذا أُضيفَ إلى المَعرفةِ دلَّ على(البعضيَّة)، أيْ: كِلاهُمَا بشٌّ، ولكنِ الفائزُ مَن كان أكثرَ بَشَاشَةً، وبِهَذا نُجمِلُ القولَ بَأنَّ: البَشَاشَةَ مُتَجدِّدةٌ ومُلازمةٌ لأخلاقِ المُؤمنِ، وِلكنَّهَا متفاوتةٌ بينَ هَذا وذَاكَ)([9]).

الهوامش:
[1]   ينظر: قطر الندى وبل الصدى: 280.
[2]   ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدّلالة: 88.
[3]   ينظر: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: 3/941.
[4]   ينظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 3/174ـــــ175، وشرح الكافية الشافية: 2/1121.
[5]   لسان العرب(بشش): 6/266.
[6]   العين(بشّ): 6/223.
[7]   النهاية في غريب الحديث والأثر(بشّ): 1/130.
[8]   ينظر: تاج العروس(ب ش ش): 17/80.
[9] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 70-72.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2464 Seconds