مناقشة أقوال الفخر الرازي في تأويل الإرث في الآية بــ: (النبوّة والملك وكان لداود تسعة عشر ولدًا) وبيان معارضتها للقرآن والسُنَّة.

مقالات وبحوث

مناقشة أقوال الفخر الرازي في تأويل الإرث في الآية بــ: (النبوّة والملك وكان لداود تسعة عشر ولدًا) وبيان معارضتها للقرآن والسُنَّة.

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-02-2023

مناقشة أقوال الفخر الرازي (ت 606هـ) وتأويلاته للإرث في الآيات وبيان معارضتها للقرآن والسُنَّة .

أولاً: مناقشة تأويله للإرث في سورة النساء ونفيه التوارث بين الأنبياء (عليهم السلام).
بقلم : السيد نبيل الحسني الكربلائي.

كما هو العهد بأعلام أهل السُنَّة والجماعة – عِبر العديد من الدراسات التي تناولت حياة فاطمة عليها السلام - في انتصارهم للخليفة وتضافرهم على هضمها كما أخبر أمير المؤمنين عليه السلام فسجلوا بذلك شاهداً آخر في المداومة على هذا النهج ، وإنْ تعددت منهم التأويلات والتفسيرات والآليات في لَيّ عنق النصوص القرآنية والنبوية، ومنها قول الفخر الرازي الذي تناول مسألة إرث الأنبياء (عليهم السلام) في أربعة مواضع من تفسيره، وهي على النحو الآتي:
أولاً: مناقشة تأويله للإرث في سورة النساء ونفيه التوارث بين الأنبياء (عليهم السلام) وبيان معارضته للقرآن والسُنَّة.
تناول الفخر الرازي مسألة إرث الأنبياء (عليهم السلام) في المورد الأول من تفسيره في قوله تعالى:
{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سورة الأنبياء/11].

فقال:
(من تخصيصات هذه الآية ما هو مذهب أكثر المجتهدين: أنّ الأنبياء (عليهم السلام) لا يورِّثون، والشيعة خالفوا فيه، رُوي: أنّ فاطمة (عليها السلام) لما طلبت الميراث، ومنعوها منّه، احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام):
«نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة».
فعند هذا احتجت فاطمة (عليها السلام) بعموم قوله:
{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.
وكأنها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد، ثم إن الشيعة قالوا:
 بتقدير أن يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد إلا أنه غير جائز ههنا، وبيانه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه على خلاف قوله تعالى: حكاية عن زكريا (عليه السلام) {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} وقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}.

قالوا: ولا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والدين لأن ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة. بل يكون كسباً جديداً مبتدأ، إنما التوريث لا يتحقق إلا في المال على سبيل الحقيقة، وثانيها: أن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين، وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة البَتّة، لأنه ما كان ممن يخطر بباله أنه يرث من الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف يليق بالرسول عليه الصلاة والسلام أن يُبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها ولا يُبلّغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة، وثالثها: يحتمل أن قوله: "ما تركناه صدقة" صلة لقوله:
(لا نورِّث) والتقدير: أن الشيء الذي تركناه صدقة، فذلك الشيء لا يورِّث. فإن قيل: فعلى هذا التقدير لا يبقى للرسول خاصية في ذلك.
قلنا: بل تبقى الخاصية لاحتمال أن الأنبياء إذا عزموا على التصدق بشيء فبمجرد العزم يخرج ذلك عن ملكهم ولا يرثه وارث عنهم، وهذا المعنى مفقود في حق غيرهم.
والجواب: أن فاطمة (عليها السلام) رضيت بقول أبي بكر بعد هذه المناظرة، وانعقد الإجماع على صحة ما ذهب إليه أبو بكر، فسقط هذا السؤال، والله أعلم)[1].

أقول:
1 ـ لم يزل أعلام السُنَّة يبنون أحكامهم، بل وقراءتهم وتفكيرهم بالأنساق الثقافية التي ورثوها عن آباءهم ومشايخهم، ومن ثم لم تتغير نتائجهم البحثية فيما يقرؤون أو يكتبون وإنْ اتسعت هذه الرؤية كما هو الحال في المنهج الكلامي الذي صنّف به الفخر الرازي تفسيره.
2 ـ إن الملاحظة الأساس في قول الرازي تكمن في أمرين، وهما:

الأمر الأول: عدم تصريحه بهوية خصم فاطمة (عليها السلام) وهذا يكشف عن تكبله بالنسق الثقافي والعقدي الذي قيّد فكره وقلمه، فقال: (روي أن فاطمة عليها السلام طلبت الميراث فمنعوها منه)!! ونلاحظ هنا بوضوح أنه تجنب الكشف عن أبي بكر، فكنى عنه بلفظ (منعوها).
أو أنه كان يدرك جيداً أن الذي قام بمنع فاطمة (عليها السلام) ليس شخصا واحدا وإنْ كان على رأس السلطة، أي أبو بكر، وإنما هم جماعة من الصحابة الذي اتفقت كلمتهم على محاربة بيت النبوة (عليهم السلام) بكل الوسائل الممكنة[2].

ولذا:
نجده يعاود الإنكار والتعتيم على هذه الظلامة، فيقول: (احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة)!!

 والسؤال المطروح: فمن هم هؤلاء الذين احتجّوا!! بل: من هم هؤلاء الذين اغتصبوا أموال بضعة النبوة (عليها السلام)!!! وذلك إنها صاحبة الحجة البالغة وليس خصمها الذي ادعى دون بيّنة أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وَهَبْ أنّه جاء بالشهود على سماعه الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل يصمد ذلك أمام قول الله عزّ وجل وشريعته في الفرائض؟!!
وبناءً عليه قالوا: (إنّ القرآن ينسخ بالسُنَّة)[3] كي يحافظوا على عقيدتهم في سُنّة الشيخين.
الأمر الثاني: إنّه نقل احتجاجات الشيعة، وأدمجها باحتجاجات البضعة النبوية (عليها السلام) في خطبتها الفدكية دون أن يتمكن من الرد عليها، وذلك أنّه يدرك أنها حجة بالغة ودامغة ولا سبيل لخصم فاطمة (عليها السلام) وأشياعه من أعلام أهل السُنَّة والجماعة في ردها.

بدليل:
أنه التجأ الى المناورة وإلقاء هذه الظلامة على عاتق السلف، فقال:
(إنّ فاطمة (عليها السلام) رضيت بقول أبي بكر بعد هذه المناظرة، وانعقد الإجماع على صحة ما ذهب إليه أبو بكر، فسقط هذه السؤال والله اعلم)!!

وقد كشف هذا الهروب والإلتجاء الى كنف السلف عن جملة من الحقائق، وهي:
1 ـ إنّ فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) لم ترض عن ظُلمها ونَهْب حقوقها حتى لحقت بربها صابرة ، محتسبة ، شهيدة ، وقد تواتر خبر هجرها لأبي بكر وعمر، فلم تكلمهما حتى واراها أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) الثرى، وسنورد في نهاية الدراسة جانباً من هذه الأحاديث وندم أبي بكر على ما فعله ببيت النبوة (عليهم السلام) لما حانَتْهُ الوفاة وهو يحتضر.

2 ـ أما زعمه في انعقاد الإجماع، فلم يتضح ماذا يريد بهذا الإجماع!! هل هو إجماع حدسي أو كشفي، وهل تحقق دليل معتبر عنده أو عند أسلافه ومشايخه أو عند أعلام أهل السُنَّة والجماعة، وقد اختلف فقهاء المذهب الواحد في أن النبوة مانعة للإرث أم غير مانعة له)[4].

3 ـ أما (الصحة فيما ذهب إليه أبو بكر)، فلو كان كذلك فلأي أمر ماتت بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وهي غاضبة على أبي بكر ومن هضمها حقوقها، بل: لماذا يتم نقاشه منذ وقوعه والى يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل؟ ولعل ما اخرجه البخاري في صحيحه في أول من يجثو للخصومة يوم القيامة، فيه الكفاية على صحة ما ذهب إليه أبو بكر!!
فقال:
(عن قيس بن عباد، عن علي بن أبي طالب [عليه السلام]، أنه قال:
«أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة»)[5]؛ فتعالى الله عما يقولون في صحة ما ذهب إليه خصوم فاطمة (عليها السلام) . [6]

 الهوامش:
[1] تفسير الرازي: ج9 ص 210-211.
[2] لمزيد من الاطلاع، ينظر: موسوعة هذه فاطمة عليها السلام ، الجزء السابع ، تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي .
[3] شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين: ج2 ص 5.
[4] لمزيد من الاطلاع، ينظر: إرث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المذاهب الخمسة بين منع النبوة ودفع فاطمة (عليها السلام)، دراسة فقهية مقارنة على مذهب أهل السُنَّة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والظاهري)، للمؤلف، أصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1 مطبعة الوارث-كربلاء، لسنة 1442هـ-2021م.
[5] صحيح البخاري، باب: قصة غزوة بدر، ج5 ص 6.
[6] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسنة واللغة ، السيد نبيل الحسني ،ص154/159 إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 في دار الوارث كربلاء المقدسة -  العراق لسنة 2021م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2899 Seconds