مناقشة أقوال الآلوسي في تفسيرقوله تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ }ودفاعه عن خصوم فاطمة عليها السلام. سادساً: مناقشة رده على الشيعة بقوله : (أن مال النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته صار في حكم الوقف على جميع المسلمين).

مقالات وبحوث

مناقشة أقوال الآلوسي في تفسيرقوله تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ }ودفاعه عن خصوم فاطمة عليها السلام. سادساً: مناقشة رده على الشيعة بقوله : (أن مال النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته صار في حكم الوقف على جميع المسلمين).

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 31-08-2023

بقلم : السيد نبيل الحسني .
في المورد السادس الذي يدافع فيه الآلوسي عن خصوم فاطمة عليها السلام في تفسيره لقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 22] وقوله سبحانه: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ}[مريم:6]
فيقول في الاحتجاج على الشيعة في بقاء نساء النبي صلى الله عليه واله في بيوته:
(ومن أهل السُنة من أجاب عن أصل البحث بأن المال بعد وفاة النبي صلى الله عليه[واله] وسلم ، صار في حكم الوقف على جميع المسلمين فيجوز لخليفة الوقت أن يخص من شاء بما شاء كما خص الصديق جناب الأمير رضي الله تعالى عنهما بسيف ودرع وبغلة شهباء تسمى الدلدل)[1] .

أقول:
1- إنَّ الآلوسي ينقلب في هذا القول على ذاته، وذلك أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بناءً على هذا المدعى الذي يدعيه قد أصبح من أصحاب الأموال ، ومن ثم فأين الكمالات النفسية، والدنيا الفانية التي احتج بها الآلوسي من قبل في رد الآيتين الكريمتين {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} و{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} وأسهب في الحديث بين الوراثة الحقيقية والمجازية، والظني والقطعي ، وغيرها من المغالطات التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، ولا ترشد المسلم إلى حقيقة ما جاء  به القرآن في توارث الأنبياء عليهم السلام؟!

2-  إذا كان مال النبي (صلى الله عليه وآله) قد أصبح (وقفاً على جميع المسلمين) كما يدعي الآلوسي وأسلافه ، فثمت سؤال يفرضه البحث :
من أين أصبح لعائشة حق التصرف ببيت النبي صلى الله عليه وآله وهي توقيفية بمحكم التنزيل فتدخل أباها وصاحبه الحجرة النبوية ليدفنا فيها ، وهذه البيوت كبقية أموال النبي صلى الله عليه واله إمّا موقوفة على المسلمين كما يقول الآلوسي فيلزم استئذانهم جميعاً ، وإما هناك موقوف عليه فغصبته عائشة حقوقه فيكون إدخال أبي بكر وعمر إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله في كلا الحالين مخالف للنص القرآني وفيه معصية لله ورسوله صلى الله عليه وآله؟!
3- بل السؤال الأهم: كيف جاز لعائشة أن تبيع بيتها لمعاوية بالآلف الدراهم والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مدفون فيها، وهي وقف على جميع المسلمين[2] ؟!
4- أما أنه أعطى للزبير وغيره، فهذا لا يدل على عدم التوارث فيما بين الأنبياء (عليهم السلام) وهو استدلال فاسد، وذلك لكونه خارج الموضوع تخصصاً فالزبير ليس من الورثة، ومن ثم فان إعطاء أبي بكر له بفعل التسلط والتحكم الذي جاءه من بيعة السقيفة وهي التي مكنته من ظلامة بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام).
5- أما القول بجواز تصرّف خليفة الوقت في أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمتى ثبتت خلافته بالجعل الإلهي والتنصيص النبوي  ؟!
فخليفة الوقت كان عِبْرَ سقيفة بني ساعدة وليس عِبْرَ الجعل الإلهي والنص النبوي ؛ ومن ثمَّ: فإن عنوان الخلافة المقيد بالجعل والتنصيص لم يثبت شرعًا في خليفة الوقت فكيف يثبت الجواز في التصرف بأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟!.
6- قد ثبت عِبْرَ الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم النيسابوري في صحيحه : إن إدعاء خليفة الوقت لمنصب التولية على أموال النبي صلى الله عليه وآله هو في حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب: (كاذب، آثم، غادر، خائن)[3]!! .
7 ـ وأما قوله : بأن خليفة العصر ، أي أبي بكر قد خص أمير المؤمنين الإمام علي عليه وعلى رسول الله الصلاة والسلام: (بسيف ودرع وبغلة شهباء تسمى الدلدل) فهو مقارنة فاسدة ، بل دلالة ظنية لا تصمد أمام حجية القطع بترك أبو بكر سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ومتاعه لبضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة عليها السلام ولم يصادره منها فأوقع نفسه بين توريث النبي صلى الله عليه وآله وعدمه ، فأحتاج إلى دفاع أعلام أهل السُنّة والجماعة عن هذا الموقف ، وهو ما تناولناه بدراسة مستقلة ، والموسومة : (تأويلات أعلام أهل السُنّة والجماعة بترك أبي بكر سلاح النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام بين التوريث في الأموال المعيشية ومنعه في الأموال الأقتصادية)[4] .
ومِنْ ثمَّ : لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك ، إلا أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها ، هي : تضافر الأمة على هضم فاطمة (عليها السلام) وقد تجلّت في دفاعهم عن خصومها والانتصار لهم ، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بعد أن واراها في الثرى ، فحوّل بوجهه إلى الروضة النبوية الشريفة ، فقال:
« السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي ، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ...»[5] إلى أن يقول:
«وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[6] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين»[7] . [8]  

الهوامش:
[1] تفسير الآلوسي : ج4 ص220
[2] ينظر :مبنى حكم نفقة أزواج النبي صلى الله عليه واله وسكناهن في بيوته دراسة فقية مقارنة ، تأليف السيد نبيل الحسني ، أصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة ، العتبة الحسينية  المقدسة ، طبع دار الوارث – كربلاء .
[3] صحيح مسلم، باب: حكم الفيء، ج5 ص152؛ سنن أبي داود: ج2 ص21.
[4] أصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة ، العتبة الحسينية المقدسة ، طبع دار الوارث – كربلاء
[5] الكافي ، الكليني : ج1 ص458 ؛الأمالي ، الشيخ المفيد :ص283 ؛  نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم 202 .
[6] نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم : 202
[7] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[8] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 217 / 219 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م – مع بعض التصرف والإضافة- .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2765 Seconds