الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له عليه السلام في كيف يكون الرجاء

مقالات وبحوث

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له عليه السلام في كيف يكون الرجاء

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 13-09-2023

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
الدنيا في خطبة له عليه السلام في كيف يكون الرجاء:
منها: يَدَّعِي بِزَعْمِه أَنَّه يَرْجُو الله، كَذَبَ والْعَظِيمِ! مَا بَالُه لَا يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُه فِي عَمَلِه؟ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُه فِي عَمَلِه، (وكُلُّ رَجَاءٍ)[1] - إِلَّا رَجَاءَ الله تَعَالَى- فَإِنَّه مَدْخُولٌ، وكُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ اللَّه فَإِنَّه مَعْلُولٌ، يَرْجُو اللَّه فِي الْكَبِيرِ، ويَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِيرِ، فَيُعْطِي الْعَبْدَ مَا لَا يُعْطِي الرَّبَّ! فَمَا بَالُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُه يُقَصَّرُ بِه عَمَّا يُصْنَعُ بِه لِعِبَادِه؟ أَتَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَه كَاذِباً؟ أَوْ تَكُونَ لَا تَرَاه لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً؟ وكَذَلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِه، أَعْطَاه مِنْ خَوْفِه مَا لَا يُعْطِي رَبَّه، فَجَعَلَ خَوْفَه مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً، وخَوْفَه مِنْ خَالِقِهمْ[2] ضِمَاراً ووَعْداً، وكَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِه، وكَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِه، آثَرَهَا عَلَى اللَّه، فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا، وصَارَ عَبْداً لَهَا[3]

شرح الألفاظ الغريبة:
المدخول: المغشوش غير الخالص، أو هو: المعيب الناقص لا يترتب عليه عمل؛ الخوف المحقق: هو الثابت الذي يبعث على العبد عن المخوف والهرب منه؛ الخوف المعلول: هو ما لم يثبت في النفس ولم يخالط القلب، وإنما هو عارض في الخيال يزيله أدنى الشواغل، فهل كالأوهام لا قرار لها، ومعلول: من عله يعله إذا شربه مرة بعد أخرى؛ الضمار: - ككتاب – ما لا يرجى من الوعود والديون[4].

الشرح:
مساق الكلام يقتضي ذم من يدعي رجاء الله ولا يعمل له وتنبيه أن رجائه ليس بخالص بتكذيبه وبيان تقصيره في العمل.
فقوله: ((يدعي بزعمه أنه يرجو الله): ذكر صورة الدعوى الحالية أو المقالية وقوله: ((كذب والعظيم)): لرد لتلك الدعوى مؤكداً بالقسم البار، وإنما قال: والعظيم دون الله لأن ذكر العظمة هنا أنسب للرجاء.
وقوله: ((ما باله...)) إلى قوله: ((عرف رجاءه في عمله)): قياس في الشكل الثاني بين فيه أنه غير راج. وتلخيصه أن هذا المدعي للرجاء غير راج، ومراده الرجاء التام الذي يجتهد في العمل له ولذلك قال: ((إلا رجاء الله فإنه مدخول)) فنبه بأن فيه دخلاً على وجوده إلا أنه غير خالص، وبيان الدليل أن كل من رجاء أمراً من سلطان أو غيره فإنه يخدمه بخدمته التامة ويبالغ في طلب رضاه ويكون عمله له بقدر قوة رجائه له وخلوصه، ويرى هذا المدعي للرجاء غير عامل فيستدل بتقصيره في الأعمال الدينية على عدم رجائه الخالص في الله.
وكذلك قوله: ((وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول)): توبيخ للسامعين في رجاء الله تعالى مع تقصيرهم في الأعمال الدينية وتقدير الاستثناء الأول مع المستثنى منه: وكل رجاء لراج يعرف في عمله أي يعرف خلوص رجائه فيما يرجوه إلا رجاء الراجي لله فإنه غير خالص.
وروي: وكل رجاء إلا رجاء الله فإنه مدخول، والتقدير: وكل رجاء محقق أو خالص، لتطابق الكليتين على مساق واحد، وينبه على الإضمار في الكليه الأولى قوله في الثانية محقق، فإنه تفسير المضمر هناك.
وقوله: ((يرجو الله في الكبير...)) إلى قوله: ((يعطي الرب)): في قوة قياس ضمير صغراه قوله: ((يرجو...)) إلى قوله: ((الصغير)): وتقدير كبراه: وكل من كان كذلك فينبغي أن يعطي الله الذي هو ربه من رجائه والعمل له ما لا يعطي المخلوقين والذين هم عباده، والصغرى مسلمة، فإن الحس يشهد بأكثرية أعمال الخلق لما يرجوه بعضهم من بعض بالنسبة إلى أعمالهم لما يرجونه من الله تعالى.
وأما الكبرى فبيانها أن المقرر في الفطر أن المرجو الكبير يستدعي ما يناسبه مما هو وسيلة إليه كمية وكيفية.
وقوله: ((فيعطي العبد ما لا يعطي الرب)): نقض للكبرى.
وقوله: ((فما بال الله...)) إلى قوله: ((لعباده)): توبيخ وتشنيع على من يخالف العمل بالنتيجة المذكورة.
وقوله: ((أتخاف)): إلى قوله: ((موضعاً)): استفسار عن علة التفسير المذكورة في الرجاء لله والعمل له بالنسبة إلى رجاء العباد والعمل لهم استفساراً على سبيل الإنكار وتقريعاً على ما عساه يدعي من إحدى العلتين المذكورتين وهما خوف الكذب في رجاء الله أو ظنه غير أهل للرجاء والأمر خطاء عظيم لزم عن التقصير في معرفة الله؛ والثاني كفر صراح، وإنما خصص هاتين العلتين بالنكر لأنهما المشهورتان في عدم رجاء الخلق بعضهم لبعض أو ضعفه، وانتفاؤهما في حق الله تعالى ظاهر فإنه تعالى الغني المطلق الذي لا بخل فيه ولا منع من جهته فإن العبد إذا استعد بقوة الرجاء له والعمل لما يرجوه منه وحببت إفاضة الجود عليه ما يرجوه فلا يكذب رجاؤه وهو الله تعالى الموضع التام له.
وقوله: ((وكذلك إن هو خاف...)) إلى قوله: ((يعطي ربه)): قياس ضمير استثنائي بين فيه قصور خوف الخائف من الله بالنسبة إلى خوفه من بعض عبيده، والضمير في عبيده لله، وفي خوفه للخائف، ويحتمل عوده إلى العبد، والملازمة في الشـرطية ظاهرة، وكبرى القياس استثناء غير المقدم لينتج عين التالي.
وقوله: ((فجعل...)) إلى قوله: ((وعداً)): توبيخ وتشنيع على من لزمه ذلك الاحتجاج وانه من القبيح المشهور المذكور أن يجعل الإنسان خوفه من عبد مثله نقداً حاضراً وخوفه من خالقه وعداً غير حاضر.
وقوله: ((وكذلك من عظمت الدنيا...)) إلى آخره: إشارة إلى علة إيثار الناس للحياة الدنيا على ما عند الله مما وعد به وانقطاعهم إليها وصرورتهم عبيداً لها وذكر جزء العلة القريبة وهي عظمة الدنيا في أعينهم، وتمام هذه العلة حقارة ما تصوروه من الوعد الأخروي بالنسبة إلى الدنيا، وعلة هذه العلة ميلهم للذات العاجلة كما هي، وغيبوبة اللذات الموعودة وتصورها الضعيف بحسب الوصف، الذي غايته أن يوجب في أذهانهم مشابهة ما وعدوا به لما حضر لهم الآن، فلذلك كانت العاجلة أعظم في نفوسهم وأكبر وقعاً في قلوبهم، ولذلك آثروها وانقطعوا إليها فاستعبدتهم، وغاية هذا التوبيخ التنفير من الدنيا والجذب عنها إلى الرغبة فيما وعد الله، ولذلك عقب بالتنبيه على ترك الدنيا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء والمرسلين الذين هم القدوة للخلق وإعراضهم عنها[5].)([6]).

الهوامش:
[1] ما بين القوسين: ليس في شرح نهج البلاغة لابن ميثم، والشيخ محمد عبده.
[2] في نهج البلاغة لصبحي صالح: (خالقه) بدل (خالقهم).
[3] نهج البلاغة لصحبي صالح: 224-226/ خطبة رقم 160، ونهج البلاغة للمحقق الشيخ العطار: 297-299/ خطبة رقم 160، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 278-279/ ضمن الخطبة رقم 159، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 310-311.
[4] شرح الألفاظ الغريبة: 631-632.
[5] شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 282- 284/ شرح الخطبة رقم 159.
([6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 164-168.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2341 Seconds