الشيخ سجاد الربيعي:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:
قال تعالى:((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ))[1] , وقال تعالى: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))[2].
ذكر المفسرون في معنى (يَتَدَبَّرُونَ) إذ قالوا التدبر : التفهم في دُبر الأمر، أي ما يخفى منه وهو مشتق من دبر الشيء، أي خلفه , ولها استعمال آخر بمعنى التفكر والتفكير بعواقب الأمور ونتائجها التي تتضح من خلال التفكر والتدبر. فالآيتان تدلان بوضوح على إمكان المعرفة وطرق تحصيلها
وفي هذا قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين: (أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ) [3].
يصف الإمام (عليه السلام ) حال أولياء اللّه في مناجاتهم إذا جنّهم اللّيل، وذِكرهم ووقوفهم بين يدي الله بقوله \أمّا الليل فصافّون أقدامهم\, إشارة الى معرفة الله الكامنة في قلوبهم, تتوهج بالوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى.
وفي المتواتر عن هشام بن الحكم قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (يا هشام ما بعث الله أنبيائه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدينا والآخرة)[4]\
وقال الصادق عليه السلام: (إن أمثال القرآن لها فوائد، فأنعموا النظر فيها وأكثروا التفكر والتدبر في معانيها ولا تمروا بها)[5].
فالتفكير والتدبر يملئ قلب الانسان وفؤاده بالأيمان واليقين, ويوصله إلى المعارف والمطالب العليا, لتبين له طريق المعرفة الموصلة إلى الله جلا وعلا.
الهوامش:
[1] سورة ص: 29
[2] سورة محمد: 24
[3] نهج البلاغة: 193
[4] بحار الانوار ، ج 1 ، ص 92 ، اصول كافى ، ج 1 ، ص 12 .
[5] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : قطب الدين الراوندي الجزء : 1 ص95