أثر الدعاء في تربية النفس

مقالات وبحوث

أثر الدعاء في تربية النفس

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 06-02-2019

أثر الدعاء في تربية النفس

 

الباحث: الشيخ سجاد عبد الحليم الربيعي

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه المصطفى محمد وعلى آله الطاهرين المنتجبين.

 

للدعاء دوره في معرفة الله، كماله دور في عبادة الله بالتذلل والخضوع والاستغراق الروحي في التعبير عن الحاجة المطلقة في وجود الإنسان لله الغني المطلق.

 

إن الدعاء ينفتح بالإنسان على الله، ليطوف في مواضع عظمته ومجالات نعمه، ومن ثم يتعرف إليه في كل صفة من صفاته، وكل اسم من اسمائه مما يفرض عليه الانتقال من أفق إلى أفق، ومن فكرة إلى فكرة.

 

فاذا عاش الإنسان هذا الجو الفكري والروحي المملوء بمفردات العقيدة وظواهر الكون وحركة الحياة، ورأى أثر ذلك في الوجود كله، وفاعليته في وجوده بالذات، امتلأت ذاته بعظمة ربه وشعر بالامتنان لنعمه، فكان الحمد لله تعبيرا عن كل ذلك الجو وحيوية ذلك الشعور وحركية العبودية في الوجدان[1] .

 

كما أشار الى ذلك أمير المؤمنين(عليه السلام):( ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِه ، بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيه مِنْ مَسْأَلَتِه ، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِه ، واسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِه ، فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِه ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ)[2] .

 

جعل (عليه السّلام) الانسان مسافرا في طريق الحياة ومختارا في سيره المؤدي إلى الجنة أو إلى النار، ثم يكشف (عليه السَّلَام) من خلال أنفاسه المباركة أن في الانسان عقبة شاقة وهي المرور على شهواته وأهوائه وأخطائه فوصّاه بحمل الزاد الكافي للسير في هذا الطريق البعيد والاجتهاد في تحصيل المعاون معه لحمل الزاد باعطاء الفقراء والمساكين مقدارا من أمواله ليكون ذخرا في مسعاه ومعاده أو قرضا يرد عليه في أيام عسرته في آخرته[3].

 

ثم نبه (عليه السّلام) على ملازمة الدعاء والتضرع إلى الله في كل حال من الأحوال ولجميع الحوائج سواء كان مذنبا أم مطيعا فان المذنب إذا تضرع إلى الله تعالى وسأل منه التوبة والمغفرة يخرج عن ذنبه، والمطيع إذا سأله أجابه وإن لم يظهر له الإجابة كما يريد، وبيّن أنّ الدّعاء إلى اللَّه لا يضيع بحال من الأحوال، فإن لم يوافق المسألة مع المصلحة أعطاه الله في إجابة دعائه ما هو خير مما سأله عاجلا أو آجلا ، لذلك جعل الدعاء في الإسلام وسيلة لربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى، والتوجه إليه والاعتراف بين يديه بالذنوب، وإظهار فقره ورغبته في إصلاح نفسه، وتعريفه بحقيقة ذاته، وإشعاره بضعفه وحاجته إلى خالقه.

 

 كما إن للدعاء دوره الفعال في تنمية مشاعر الحب واخصاب روح الإحساس بجمال الخير الذي لا يستغني الأنسان عنه في حياته، لأنَّ الجو العبادي والبث الرُّوحي الذي يخلقه الدعاء يساهم في بناء أخطر جوانب النفس الأنسانية، وهو الجانب الذي يفيض إشباعه على النفس أحاسيس الرضا والنشوة الروحية، وهذا كله يشير إلى حقيقة واحدة تشير إليها الآية الكريمة: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد))[4]. وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السَّلَام):( اللَّهُمَّ... وبِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لَا يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُكَ ، ولَا يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلَّا مَنُّكَ وجُودُكَ ، فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ ، وأَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ  ( إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[5] .

 

يفسر لنا الامام (عليه السَّلَام) عبر نسج كلماته المواطن الروحية التي يستقبلها الإنسان المتمثلة بعبقات الحب والإحساس بالجمال الإلهي الذي يستشعره الداعي بانفتاح الروح وامتداد أفاق الوعي.

 

هذه خلاصة الحديث عن أثر الدعاء في تربية النفس، والتيار الموصل بين قلب العبد وربه، فلابد للداعي أن يأخذه من مصادره الأصلية كي تتم الفائدة، والحمد لله رب العالمين والصلاة على أشرف خلقه محمد (صلَّى الله عليه وآله).

الهوامش:

[1] ينظر: آفاق الروح في أدعية الصَّحيفة السَّجَّادية، محمد حسين فظل الله (ت:1422 هـ)، بيروت ــ لبنان، دار الملاك للطّباعة والنَّشر والتَّوزيع، ط1 :1/23.

[2] نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السَّلَام) (ت:40 هـ)، تحـ: شرح: الشيخ محمد عبده، ط1 :1412 - 1370 ش، مط: النهضة - قم: دار الذخائر - قم – ايران:3 / 48.

[3] ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 هـ) تحـ: سيد إبراهيم الميانجي، ط4، مط: مطبعة الاسلامية بطهران، مؤسسة الثقافية الامام المهدي (عجل الله فرجه):20 /20 .

[4] سورة فاطر ، الآية: 15 .

[5] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( عليه السلام ): 1 /181 .

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2622 Seconds