العباس بن امير المؤمنين باب الحسين ورمز البطولة

مقالات وبحوث

العباس بن امير المؤمنين باب الحسين ورمز البطولة

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-04-2019

العباس بن امير المؤمنين باب الحسين ورمز البطولة

 

 

الباحث: الشيخ سجاد عبد الحليم الربيعي

 

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.

 

أبو الفضل العباس بن الإمام علي (عليه السلام)، (ت: 61 هـ ، 680 م) أنموذج رائع وفريد من أولاد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، بعد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) . لقد حاز (عليه السلام) قصب السبق في الفضائل ومكارم الأخلاق، فضلًا عن الشجاعة والعلم والإخلاص .

وقد أخذ أبو الفضل العباس برداء المجد من أبيه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ابن عمِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصية، وإليه ينتهي طيب الأرومة ومكارم الأخلاق، وهو غني عن التعريف، أمَّا من جهة الأم فهي السيدة الزكية فاطمة بنت حزام بن خالد (رضوان الله عليها)، من بيت شجاعة وكرم، وأبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب، في الجاهلية والإسلام .

حاز أبو الفضل العباس (عليه السلام)، مكانة عميقة ومحبة شديدة من لدن الأئمة (عليهم السلام)، تتبعهم بذلك نفوس المؤمنين، مستلهمين محبَّتهم من الإيمان القوي لهذه الشخصية البارزة والعظيمة عند الله سبحانه وتعالى. وكل ما نحكيه في سطور هذه المقالة من خصائص ومزايا أبي الفضل العباس (عليه السلام) فإنَّما هو مع ملاحظة كونه معاصراً لأعظم المعصومين في تاريخ البشرية، بل إنَّ اسمه اقترن مع اسم سيد الشهداء، الإمام الحسين، (عليه السلام)، وهذا ما نجده حاضرًا في القلوب المؤمنة، إذ عندما يُذكر الإمام الحسين (عليه السلام) في أيِّ محفلٍ أو مجلس،  أو في أيِّ بقعة في العالم، فإنَّه سرعان ما يذهب الذهن إلى قرينه أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وفي هذا التلازم يقول السيد المقرم (رحمه الله): فكان هو واخوه من مصاديق قوله تعالى: ﴿والشمس وضحاها * والقمر اذا تلاها﴾ [الشمس: 1] [1] .

ومن هنا دخل العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) القلوب من أوسع أبوابها، بعد أن اختزلت شخصيته (عليه السلام) سمات البطولة والتضحية والوفاء والإباء، فكان (سلام الله عليه) باب الحسين (عليه السلام)، حتَّى صار بابًا من أبواب الله الذي منه يؤتى، يهرع إليها المحتاجون والمعسرون في مختلف شؤونهم المتأزمة،  فله (عليه السلام) حضور يومّي في حياة الملايين من الناس، وهو وسيلتهم في الحصول على الحوائج، وقدوتهم في البحث عن الغايات، وكم من متوسِّلٍ توسّل بهذه الشخصية العظيمة فتمخَّض توسُّله عن استجابة للحاجة، فهو (باب الحوائج). وقد تعرض الكميت لمدحه في إحدى هاشمياته الخالدة فقال:

 

وأبو الفَضْلِ إنَّ ذِكْرَهُمُ الحُلْوُ           شِفَاءُ النفوسِ مِنْ أَسْقَامِ

 

قُتِلَ الأدعياءُ إذْ قتلوه                    أَكْرَمَ الشاربينَ صَوْبَ الغَمَامِ[2].

 

فهو(عليه السلام)، يحتل في قلوب محبيه مكانة وقدسية خاصة، يكشف ذلك عن السر المستودع في ذاته المقدسة وعن طهارتها ونقائها؛ بل احتوائها لأكرم الصفات . يقول فيه صادق آل محمَّد (صلَّى الله عليهم): (اَشْهَدُ لَكَ بِالتَّسْليمِ وَالتَّصْديقِ وَالْوَفاءِ وَالنَّصيحَةِ لِخَلَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الْمُرْسَلِ، وَالسِّبْطِ الْمُنْتَجَبِ، وَالدَّليلِ الْعالِمِ، وَالْوَصِيِّ الْمُبَلِّغِ، وَالْمَظْلُومِ الْمُهْتَضَمِ، فَجَزاكَ اللهُ عَنْ رَسُولِهِ وَعَنْ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَعَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ اَفْضَلَ الْجَزاءِ بِما صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ وَاَعَنْتَ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ جَهِلَ حَقَّكَ وَاسْتَخَفَّ بِحُرْمَتِكَ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ حالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ماءِ الْفُراتِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قُتِلْتَ مَظْلُوماً، وَاَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكُمْ ما وَعَدَكُمْ)[3].

أضفى الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا المقطع أوسمة رفيعة إلى عمِّه العباس (عليه السلام)، وهي من أجل الأوسمة التي تضفى على الشهداء العظام، وتلك الأوسمة هي: (أشهد، وأشهد الله أنك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، الناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابون عن أحبائه، فجزاك الله أفضل الجزاء وأوفى الجزاء، وأوفى جزاء أحد ممن وفى ببيعته، واستجاب لدعوته، وأطاع ولاة أمره)[4] .

وقد أثنى الإمام صاحب العصر والزمان بقية الله في الأرض قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) بكلمة رائعة في حق عمه العباس (عليه السلام) جاء فيها: (السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائة، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي)[5].

فصار (عليه السلام)  في قلوب العظماء ومشاعرهم، أنشودة الأحرار في كلِّ زمان ومكان، وذلك لما قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيد الشهداء، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان، وبنى للمسلمين عزًّا شامخًا، ومجدًا خالدًا . وفيه يقول الشاعر:

 

أحق الناس أن يبكي عليه * فتى أبكى الحسين بكربلاء

 

أخوه وابن والده علي * أبو الفضل المضرج بالدماء

 

ومن واساه لا يثنيه شئ * وجاد له على عطش بماء[6]

 

ولله درّ الشيخ محسن أبو الحب إذ يقول عليه الرحمة على لسان الحسين (عليه السلام) :

 

أبوكَ كان لجدّي مثلَ كَوْنِكَ لي * بنفسِهِ نَفْسُ مَنْ آخَاه فَادِيها

 

أبوك ساقي الوَرَى في الحَشْرِ كَوْثَرَهُ * وأنتَ أطفالَنا في الطفِّ ساقيها[7]

 

فكان (عليه السلام) بمفرده يمثل امبراطورية الخير في جميع الفضائل والقيم الإنسانية، وفي مواجهة الشر من أعداء أل محمد (صلى الله عليه وآله)، لأنَّه اتخذ الدّنيا مزرعة للآخرة، ودارًا ممرًّا لا دار مقرّ.. ولذلك فإنَّ الموت في سبيل ربّه، كان أسهل عنده من شربة ماءٍ بارد في ذلك اليوم الصائف، وبتلك الشّهادة المتميّزة، تحوّل من شخص إلى شاخص، ومن مؤمن الى رمز للإيمان، ومن بطل إلى رمز للبطولات...

السلام عليك يا أبا الفضل يوم ولدت ويوم أستشهد ويوم تبعث حيا

 

 الهوامش:

[1] قمر العشيرة، المقرم: 26.

[2] مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني:55 .

[3] الوافي، الفيض الكاشاني: 14 /1510، كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه:440 .

[4] شهداء أهل البيت ( عليهم السلام ) قمر بني هاشم، الحاج حسين الشاكري:34 .

[5] شهداء أهل البيت(عليهم السلام)، مصدر سابق.

[6] أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: 7 /431 .

[7] المجالس العاشورية في المآتم الحسينية،الشيخ عبد الله ابن الحاج حسن آل درويش:242 .

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.5587 Seconds