من خصائص نهج البلاغة / 4 - استشراف المستقبل

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من خصائص نهج البلاغة / 4 - استشراف المستقبل

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-05-2021

بقلم: د. علي الفتال

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
من خلال قراءتي ((نهج البلاغة)) بتأملٍ وتأنٍ ورويَّة، وجدت في محتواه خصائص هي بمجموعها تشكل قوانين الحياة بمفاصلها الحيوية، وأنا بتحديدي تلك الخصائص لا يعني ذلك أنني توفرت على خصائص ((النهج)) كلها بل هي بعض ما تراءى لي بعد قراءتي المتأنية تلك. لذلك أطلقتُ عليها ((من خصائص))، والتبعيض هذا الذي دلّت عليه الأداة (مِن) يعني أن ثمة خصائص أخرى يضمها كلام علي عليه السلام فاكتفيت بالذي وجدت.
وإليك قارئي العزيز هذه الخصائص

5- استشراف المستقبل

لقد تحدثنا عن هذه الفقرة في الرد على المشككين في نسبة (نهج البلاغة) إلى الإمام علي عليه السلام وهنا نستشهد بعينات من تلك التوقعات والتنبؤات، ولكن قبل الاستشهاد وإتماماً لتلك الفقرة، نشير إلى بعض الأخبار عن الغيوب، كغيوب الكهان، كما يحكى أن سطيح بن مازن بن غسان، وشق بن ثمار بن نزار، وسواد بن فارس الدوسي، أما ما كان يقع لأصحاب زجر الطير والبهائم، كما يحكى عن بني لهب في عصر ما قبل الإسلام، أو لأصحاب القيافة، كما يحكى عن بني مذحج، أو رباب النيرنجات، فإذا كان أولئك عاى حالتهم تلك فإن الإمام علي عليه السلام أولى منهم بهذا الأمر وقد بينّا مميزاته الخَلقِيّة والخُلُقيّة.
وإليك قارئي الكريم عينات من توقعاته المستقبلية
قال عليه السلام:
((أيها الناس، سيأتيكم زمان يُكفَأ فيه الإسلام، كما يُكفَأ الإناء بما فيه)).
وقال عليه السلام:
((سيأتي زمان تفيض فيه اللئام، وتغيض الكرام، أهله ذئاب، وسلاطينه سباع)).
وقال عليه السلام:
((في آخر الزمان يخلّف الناس الحق وراء ظهورهم فيقطعون الأدنى ويصلون الأبعد)).
وقال عليه السلام:
((…فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مئة وتظلّ مئة، إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ومن يُقتل من أهلها قتلاً ومن يموت منها موتاً)).

وقال عليه السلام في ذم أهل البصرة:
(كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من ضمنها. (وفي رواية) وأيم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة. (وفي رواية) بلادكم أنتن بلاد الله تربة، أقربها من الماء وأبعدها من السماء، وبها تسعة أعشار الشر، المحتبس فيها بذنبه والخارق بعفو الله، كأني أنظر إلى قريتكم هذه قد طبّقها الماء حتى ما يُرى منها إلا شُرف المسجد كأنه جؤجؤ في لجة البحر).
وقال عليه السلام وهو يخبر عن صاحب الزنج:
((كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب، ولا قعقعة لُجُم، ولا حمحمة خيل، يتبرون الأرض بأقدامهم كأنها النعام، ويل لسكككم العامرة، والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور، وخراطيم كخراطيم الفيلة، من أولئك الذين لا يندب قتلهم ولا يُفتَقد غائبهم، إنما كابُّ الدنيا لوجهها، وقادر بقدرها، وناظر بعينها)).
ويخبر - عليه السلام- عن الأتراك ويصفهم بقوله:
((كأني أراهم قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون الرق والديباج، وينتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استمرار وقتل حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور)).
وقال عليه السلام وهو يذكر الملاحم ويشير إلى القائم الحجة عليه السلام:
((يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي.
(منها): حتى تقوم الحرب بكم على ساق بادياً نواجذها مملوءةً أخلاقها، حلواً، رضاعها، علقماً عاقبتها. ألا وفي غد - سيأتي غد بما لا تعرفون -يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوي أعمالها، وتخرج له الأرض أفاليذ (أي: قطع من الذهب والفضة) كبدها، وتلقي إليه سلماً مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنة.
(ومنها): كأني به نعق بالشام وفحص براياته في ضواحي كوفان، فعطف عليها عطف الضروس وفرش الأرض بالرؤوس، فقد فغرت فاغرته، وثقلت في الأرض وطأته، بعيد الحولة، عظيم الصولة، والله ليشرونكم في أطراف الأرض حتى لا يبقى منكم إلا قليل كالكحل في العين، فلا تزالون حتى تؤوب إلى العرب عوازب أحلامها..)).

وقال عليه السلام في خطبةٍ له:

((…وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبوَر مِن الكتاب إذا تُلي حق تلاوته، ولا أنفق منه (أي: أروج منه) إذا حُرِّف عن مواضعه، ولا في البلاد أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتاب حَمَلَته وتناساه حَفَظَته، فالكتاب يومئذ وأهله منفيان طريدان، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم، لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا)).
وقال عليه السلام:
((يأتي على الناس زمان عضوض (أي: شديد) يعض الموسر فيه على ما في يديه ولم يُؤمَر بذلك، قال الله سبحانه:
{... وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة/237)}.
تنهَدُ فيه الأشرار (أي: ترتفع) وتُستذل الأخيار ويبايع المضطرون…)).
ولما أُخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين عليهما السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فكلماه فيه، فخلى سبيله فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام:
((أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته! إنها كف يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسبته، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمر))([1]).

الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أضواء على نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية، د علي الفتال، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 264 - 268.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2793 Seconds