من مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب: قوله (عليها السلام): ((تَحَيَّرَ في الظُّلُمَاتِ وارْتَبكَ في الهَلَكَاتِ))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب: قوله (عليها السلام): ((تَحَيَّرَ في الظُّلُمَاتِ وارْتَبكَ في الهَلَكَاتِ))

271 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 21-03-2024

بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.

وبعد:
(افتَعَل)، هو ما زيدت(الهمزة) في أوَّلهِ، و(التَّاء) بعد فائه، وحُكمُ(افْتعَلَ) أَنْ يكونَ متعدِّيًا، وقَدْ يجيءُ لازمًا إذا كانَ بمعنى(انْفَعلَ) في المطاوعةِ، فمتى جاءَ على معنى المطاوعةِ فهو غيرُ متعدٍّ، فإذا قلتَ: شَويتهُ فاشْتَوى فهو علَى معنى: انشَوى وإِذا قلتَ: اشتويتُ اللَّحمَ، أَي: اتَّخذتُ شِواءً، والأَجودُ في(افتعلَ) أَنْ يقع متعدِّيًا على غيرِ معنى الانفعالِ([1])، ولها في العربيَّةِ عدَّة معانٍ: (المطاوعة، والمشاركة، والاتِّخاذ، والطَّلب، والأخذ)([2]).

وممَّا وردَ في المرويَّات على زنَةِ(افتعل) دالًّا على المطاوعة، حديثه الَّذي استشهد به ابن منظور في بيان معنى لفظة(ارْتَبَك) في وصف من تخبَّطَ بلا حُجَّةٍ عنده ولا دليل، فقالَ: «والرَّبْك: أَنْ تُلْقِيَ إِنْسَانًا في وحْلٍ فَيَرْتَبِكَ فيهِ ولَا يَسْتَطِيعُ الخُرُوجَ مِنْهُ ويَنْشَبُ فيهِ. وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ،(رَضِيَ الله عَنْهُ): تَحَيَّرَ في الظُّلُمَاتِ وارْتَبكَ في الهَلَكَاتِ، ارْتَبَكَ في الأَمر إِذَا وقَعَ فيهِ ونَشِبَ ولَمْ يَتَخَلَّصْ»([3]).

معنى الرَّبْك في اللُّغة هو «إلقاؤُكَ إنسانًا في الوَحلِ، فيرتبكَ فيهِ، ولا يستطيعُ الخرُوجَ مِنهُ. والصَّيدُ يرتَبِكُ في الحبالةِ، [إذا نشبَ فيها] وارتبكَ الرَّجُلُ في كلامِهِ: تَتعتَعَ فيه»([4])، فهيَ كلمةٌ تدلُّ على الخَلْطِ، قال ابنُ فارس: «الرَّاءُ والبَاءُ والكَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خَلْطٍ واخْتِلَاطٍ، فَالرَّبْكُ: إِصْلَاحُ الثَّرِيدِ وخَلْطُهُ، ويُقَالُ لَهُ حِين يُفْعَلُ بــه ذَلِكَ الرَّبِيكَةُ، ويُقَالُ ارْتَبَكَ في الأَمْرِ، إِذَا لَمْ يَكَدْ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ»([5]).

والرَّبْكُ يُطلقُ على الماديَّات (ما شغلَ حيزًا في الوجود)، أمَّا إذا أُطلِقَ على غيرِ المادِّيَّات؛ فيكون مَجازًا، مثل: ارْتبكَ في الوَحلِ، أيْ: نَشبَ فيه، وارْتَبكَ في الأمرِ وارْتبكَ في كلامِهِ، أيْ: تَتْعتعَ فيه، والصَّيد يَرتبكُ في الحبالةِ([6])، هذا كُلُّهُ على سبيلِ المجازِ.

ويَبدو أنَّ ما جاءَ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) «. . . وارْتَبَكَ في. . .» كان على سبيلِ المجازِ؛ لأنَّ الهَلكاتِ لا يُرتبكُ فيها، فانزل الهلكاتِ منزلةَ ما يختلط بهِ، وجعل ذلك الإنسانَ مُرتَبِكًا في الأمرِ، أي: نشب فيه ولم يكدْ يتخلَّصُ منه([7])، فهو متحيِّرٌ في الظُّلماتِ، مطاوعٌ  للهلكات ومختلطةٌ عليه الأمورِ المُشكلاتِ.

وممَّا جاءَ في المرويَّاتِ على وزنِ افتعلَ دالًّا على(الأخذ):
قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظةِ(ارتُبق): «وفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: قَالَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: انْطَلِق إِلى العَسْكَرِ، فَمَا وجدْت مِنْ سِلَاحٍ أَو ثَوْبٍ ارْتُبِقَ فاقْبِضْه واتَّقِ اللَّهَ واجْلِسْ في بَيْتِكَ، رَبَقْتُ الشَّيءَ وارْتَبَقْته لِنَفْسِي كرَبَطْته وارْتَبَطْتُه، وهُو مِنَ الرِّبْقَة، أَي: مَا وجدتَ مِنْ شَيْءٍ أُخذ مِنْكُمْ وأُصيب فاستَرْجِعه، وكَانَ مِنْ حُكمه في أَهْلِ البَغْيِ أَنَّ مَا وُجد مِنْ مَالِهِمْ في يَدِ أَحد يُسترجَع مِنْهُ»([8]).

   في الحديثِ كلمةُ ارتُبِقَ، هي فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول، على زنةِ افتعلَ، ومعناها: «الرِّبْقُ بالكسر: حبلٌ فيه عدَّة عُرًى، تُشَدُّ به البُهُمُ، الواحدة من العُرَى: ربْقَةٌ... والرَّبْقُ بالفتح: مصدرُ قولك: رَبَقْتُ الجديَ أَرْبُقُهُ وأَرْبِقُهُ، إذا جعلتَ رأسَه في الرِّبْقةِ، فارتُبِقَ»([9])، وقالَ ابن فارس: «الرَّاءُ والبَاءُ والقَافُ أَصْلٌ واحِدٌ، وهُو شَيْءٌ يَدُورُ بِشَيْءٍ. كَالقِلَادَةِ في العُنُقِ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ. فَالرِّبْقَةُ: الخَيْطُ في العُنُقِ»([10]).
أمّا الرِّبْقُ في حديث الإمامِ(عليه السَّلام)؛ فقد دلَّ على الأخذِ؛ لأنَّ صيغة (افتعل) الَّتي ورد فيها الفعل(رَبَقَ) دلَّت على شيئينِ، احدهما الرِّبْقُ، وهو الحبلُ في العُنُقِ، والآخرُ الأخذُ، فيكون معنى الحديثِ أكثرَ تأثيراً في نفسِ المأمورِ، والمُكلَّف باسترجاعِ ما أُخذَ منه، وكأنَّه يقولُ له استرجع المال من الآخذ حتَّى ولو ارْتَبَقَهُ في عُنقهِ، أي: جعل المأخوذَ قلادةً في عُنُقِهِ، وكَانَ من حُكْمِه في أهلِ البَغي أَلَّا يُغْنَموا ولَا يُسْبَوا، وإِنْ وجِدَ من مَالهم شَيْء في يَدِ أحدٍ اسْتُرْجِع([11]).
الحديثُ لم يُذكر في نهجِ البلاغة، وإنَّما ذكرَه الخطَّابيّ([12])، والزَّمخشريّ([13])، وابنُ الأثير([14]))([15]).
[1]   ينظر: الأصول في النحو: 3/126، والممتع في التصريف: 131.
[2]   ينظر: الممتع في التصريف: 131، وهمع الهوامع في شرح جمع الجوامع: 3/305، والمهذب في علم التصريف: 81ـــ82.
[3]   لسان العرب(ربك): 10/431.
[4]   العين(ربك): 5/366.
[5]   المقاييس(ربك): 2/482.
[6]   ينظر: أساس البلاغة(ر ب ك): 1/333.
[7]   ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 9/213.
[8]   لسان العرب(ربق):10/113.
[9]   الصحاح(ربق): 4/1480.
[10]   المقاييس(ربق): 2/481.
[11]   ينظر: الفائق في غريب الحديث(ربق): 2/30.
[12]   ينظر: غريب الحديث للخطابي: 2/180.
[13]   ينظر: الفائق في غريب الحديث(ربق): 2/30.
[14]   ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر(ربق):2/161.
([15]) لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 108-111.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2179 Seconds