من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((لُفَّ)) في قوله عليه السلام: «وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((لُفَّ)) في قوله عليه السلام: «وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ»

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-07-2025

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:
تدلُّ مادَّة (لُفَّ) في اللُّغة على طوي الشَّيء، وجمعه، وضمِّه، وإدراجه، واللَّفُّ ضدُّ النَّشر. يُقال: لَفَّ الشَّيء يَلُفُّه لَفّاً، إذا خلطه وَطَواه([1]).
ولَفَّهُ ضدُّ نَشَرَهُ، والشَّيء بالشَّيء ضَمَّهُ إليه، ووصَلَه به. واللِّفَافَةُ بالكسر: ما يُلَفُّ على الرِّجل وغيرها، والأَلفاف الأَشجار الملتفَّة، والمِلَفُّ كمِقصّ: لحاف يُلتَفُّ به. ويُقال: تلفَّف الرَّجل بثوبه، والتفَّ به. ومنه لِفَافَةُ الرِّجل، والميِّت يُلَفُّ في كفنه لَفّاً، إذا أُدرج فيه إدراجاً([2]).
وقال ابن فارس: «اللام والفاء أَصل صحيح يدلُّ على تلوَّي شيء على شيء. يُقال: لففْتُ الشَّيء بالشَّيء لَفَّاً. ولففتُ عمامتي على رأْسي. ويُقال: جاءَ القومُ ومَنْ لَفَّ لَفَّهم، أَيْ: مَنْ تأَثَّب إليهم، كأَنــَّه التفَّ بهم» ([3]).
وقال الرَّاغب: «قال تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) [الإسراء/ 104] أَيْ: منضمَّاً بعضكم إلى بعض. يُقال: لَفَفْتُ الشَّيء لَفًّا وجاءوا ومَنْ لَفَّ لِفَّهُم، أَيْ: مَن انضمَّ إليهم، وقوله: «وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا» [النبأ/ 16] أَيْ: التفَّ بعضها ببعض لكثرة الشَّجر... واللَّفيف من النَّاس: المجتمعون من قبائل شتَّى» ([4]).
ويُقال: جاء القوم بلفَّتهم ولِفِّهم ولفيفتهم ــ أَيْ: بجماعتهم، ولفَّ الشَّيء يلفُّهُ لَفًّا جَمَعَهُ، وقد التفَّ الشَّيء: تجمَّع وتكاثف، والتفَّ الشَّجرُ بالمكان: كثر وتضايق([5]).
وجاء هذا الفعل (لُفَّ) مرَّةً واحدة في الخطبة مطابقاً دلالته اللُّغوية، وهو رابع عشر الأَفعال الَّتي أَوردها أَمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان ما يحصل على الإنسان الميِّت في المغتسل بعد موته، وآخرها، إذ قال (عليه السلام): «وغُمِّضَ ومُدِّدَ، وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ، وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ، وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ، وَهُيِّءَ وَنُشِرَعَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ».
وقد ذكر الفقهاء في رسائلهم العمليَّة في باب (تكفين الميِّت) أَنــَّه يُستحبُّ في الكفن إضافة اللُّفافة فوق الإزار يُلَفُّ بها تمام بدن الميِّت، والأَوْلَى كونها برداً يمانيًّا([6]).
وما قيل في الفعل (جذبت نفسه) يقال ــ هنا ــ مع الفعل (لُفَّ) في بنائه للمجهول؛ فقد بني للمجهول لأَمرين. أَحدهما: التَّركيز على الحدث، وهو لَفُّ تمام بدن الميِّت بهذه اللُّفافة، والآخر: لا يُعْلَمُ مَنْ سيقوم بهذا اللَّفِّ.
و(لُفَّ) فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول، مبنيٌّ على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، تقديره، هو عائد إلى (من جذبت نفسه)، و(جملة) (ولُفَّ) معطوفة على جملة (وعُمِّم).
ويبدو لي ــ والله أعلم ــ أَنَّ أَمير المؤمنين (عليه السلام) إنَّما ذكر هذه الأَفعال الأَربعة، وهي: شَدُّ الذَّقن، والتَّقميص، والتَّعميم، واللَّفُّ؛ لما في ذلك من صورة تُبيِّن مدى الإحكام في التَّكفين، وفي مناطق مختلفة ورئيسة في جسده من الذَّقن، وأَعلى الرأْس، ووسط الجسم، ولفافة تغطِّي جسده كُلَّه، والحال الضَّعيفة الَّتي يكون فيها الميِّت بتلك الصُّورة، فضلاً عن حال الموت الَّتي هو فيها. وإلاَّ فما الحاجة من ذِكْرِ الفعل (قُمِّصَ) وهو موجود في الفعل (ويُنْشَر عليه كفنُه)؛ فهو من القطع الثــَّلاث الَّتي تمَّ نشرها على جسد الميِّت)([7]).

الهوامش:
([1]). ينظر: العين: 2/184و 185، وجمهرة اللغة: 1/58، والصحاح في اللغة: 2/145، والمحيط في اللغة: 2/450، وأساس البلاغة: 1/436.
([2]). ينظر: تذيب اللغة: 5/171، والقاموس المحيط: 2/429.
([3]). معجم مقاييس اللغة: 5/166.
([4]). مفردات ألفاظ القرآن: 743.
([5]). ينظر: المخصص: 1/268، ولسان العرب: 9/317، وتاج العروس: 1/6121و 6122.
([6]). ينظر: منهاج الصالحين (للخوئي): 81، وموجز الفتاوى المستنبطة (للغروي): 103، ومنهج الصالحين (للسيد الصدر): 73، وأحكام العبادات (للمدرسي): 138، وسبل السلام (لليعقوبي): 113.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص226-228.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1360 Seconds