بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
الدعوى إلى أن يأخذ كلٌ موقعه ويقوم بدوره ولا يتخلى عن واجبه، فالجاهل يبحث عمن يعلمه ويرشده إلى ما يقومه ويطبعه بالطابع الإسلامي الصحيح، ولا يبقى مصراً على جهله أو مستحياً من إبداء ذلك لئلا يقال ما يقال... بل يقدم واثقاً ويطرح أسئلته – أن وجدت – بكل شجاعة من دون ما تردد ليجاب عنها فلا تدوم حالة الشك والحيرة أو الجهل والضلالة بل يتحول إلى أن يقوم بدور المرشد المعلم لغيره بما يقلل عدد الجهال بالأحكام الشرعية.
وكذلك العالم يبذل ما لديه ولا يدخر من وسعه شيء حسب طاقته البدنية، العلمية، حالته الأمنية والاقتصادية، بما لا يشكل إحراجاً أو إرهاقاً ولو قد يفترض فيه التنازل عن حقوقه مراعاة لحق الآخرين وتقديماً لإرشادهم على حقه الشخصي، وهذا الاقتراض صحيح، غايته لو توافرت له المستلزمات والمقومات كافة، وأما لو بدى الخلل من أحد الأطراف لفشلت المحاولة ولما تمت، فمثلاً لابد من وجود جاهل بالحكم الشرعي مستعد للتعلم، للتطبيق والتنفيذ، لنقل الحكم إلى أمثاله، ولا يكون من النوع الاتكالي، المتقاعس، الذي يتوهم أن القيام بذلك ينحصر بالعالم بما يرفع المسؤولية عن الباقين، بل لابد من التجاوب والتفاعل بما يشجع العالم على تقديم ما لديه بروح منفتحة، وهنا لابد من معرفة شيء مهم وهو ان العالم إنسان طبيعي يتميز عن غيره بالعلم، إذن فله مزاجه الخاص، نفسيته المنفتحة على غيره أو المنغلقة، خصوصياته الشخصية، المؤثرات الخارجية التي قد تعطل فيه مواطن القابلية والإبداع. وإن افترض فيه المثالية والاندماج بالدور الملقى عليه إلا أنه يبقى إنسانا ويطالب بحقه في ذلك، فإذا توحدت الجهود وكان كل من العالم والجاهل يبحث عن موقعه ليحتله ويكون مؤدياً لوظيفته الشرعية بما يلغي عنه المسؤولية ويخفف عن التبعة والمؤاخذة، لأثمرت تلك الجهود حالة م تقدمة في مستوى التثقيف الأسري، المهني، الاجتماعي، الافرادي... حتى لقلما يوجد عاطل عن دوره المناسب له ولكن...
فاللازم على الجاهل أن يتعلم ويسأل قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[1]، واللازم على العالم أن ويجيب بحدود القابلية والإمكانية العلمية، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}[2].
ولو اتبعت هذه الحكمة وحاولنا الأخذ بها لوجدنا أثرها الواضح في معالجة هموم وقضايا نعاني منها جميعا ترهق كاهل الأفراد المكونة للمجتمع الضيق كأسرة، أو الموسع كمجموعة أسر تؤلف مجتمعاً مستقلاً، ولو عرف الله تعالى منا صدق النية وقوة العزيمة لأخذ بأيدينا إلى حيث نريد، ولكنا تقاعسنا وتواكلنا واتكلنا خصوصاً في مسألة التعلم والتعليم للحكم الشرعي، وتركنا مجالاً كبيراً فصار الكثير يحسب ألف حساب قبل أن يتعلم المسألة الشرعية التي هي مما يدور يومياً ويحتاج إليه المكلف، ونحن في ضمن هذا كله متغافلين عن الجواب المناسب الذي نقدمه لو سئلنا عن هذا التقصير!!.
ويمكن أن نستفيد من هذه الحكمة شمولية في لزوم السؤال على الجاهل، والجواب من العالم في مختلف ميادين العلم والمعرفة من دون ما انحصار بعلوم الشريعة وأن كانت تحتل موقعاً متقدماً باعتبار الحاجة الماسة اليومية من المكلفين كافة بينما غيرها من العلوم الأخرى قد تدعوا الحاجة إليها أحيانا فلا تأخذ نفس المستوى من الأهمية، فهي واجبة سؤالا دفعاً للضرر، وجواباً أداء للواجب الكفائي عند اللزوم والحاجة والتي يفترض فيها عدم الاستمرار بينما إذا بلغ المكلف سن التكليف الشرعي صار في مرحلة الاحتياج اليومي المباشر لها.
فالدعة إذن إلى يتعلم الجاهل وإلى أن يتعلم العالم([3]).
الهوامش:
[1] النحل: الآية، 43.
[2] آل عمران: الآية: 187.
([3]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 332-335.