السيد علي الحسني
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إلاه العالمين محمد وعلى آله الهداة المعصومين.
أما بعد :
فلقد قال الله تعالى في محكم كتابه {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[1].
لا يخفى على أحد إن الموت حقٌ مدرك كل حي.
وكل أبن انثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة الحدباء محمول [2]
وشتان بين من يمت في سبيل الله تعالى، وبين من يمت في سبيل الجبت والطاغوت، ومصالح الدنيا المختلفة، والبعيدة عن سبل الله عز وجل، وإن تعددت الأسباب؛ فالموت واحدٌ لا يُنكر بواقعه، ولا بحال من الأحوال ؛ لكن مزايا وآثار لمن يقتل في سبيل الله تعالى جلية وواضحة.
ومن هنا وقفة مع القرآن الكريم في قوله تعالى{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ}وهذا هو: أول الآثار التي يجعلها تبارك وتعالى لمن يقتل في سبيله؛ حياة لا موت فيها، ورزق ، وفرح ، واستبشار، ولا خوف ، ولا حزن، وهذا الجزاء في الدار الآخرة ويبدأ عند دخول البرزخ حيث تتلاقهم الملائكة والحور العين بالبشرى، وما لا يُعد ولا يُحصى من النعيم، وإما الجزاء في الدنيا؛ فالذكرى العطرة، والفخر الشامخ؛ حتى آخر جيل يشهد الحياة على هذه الأرض.
ولا سيما سيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه فحق لمن قال:
كذب الموت فالحسين مخلدُ كلما مر الزمان ذكره يتجدد
ولأنه منح حياته بكل امتنان لواهب الحياة؛ رد الله تعالى عليه حياة لا موت فيها في الدنيا قبل الآخرة؛ فالإمام الحسين عليه السلام؛ ولد يوم مقتله، وحياته بدأت بيوم استشهاده، فحيا بحياته الدينه ، والحق ، والإباء، والحرية، وكل معاني الإنسانية، وحيت بحياته قلوب أوليائه وشيعته، بما جعل الله عز وجل لهم من الآجر والثواب الجزيل المتضاعف أضعافاً مضاعفة لمحي أمره وذكرى عزائه.
وها هي: كربلاء تشهد كل عامٍ في حلول ذكراه؛ قلوبٌ لاهفة وأبدانٌ زاحفه، ومشاعر حب لا تنتهي بتقبيلٍ؛ أو لمسة أعتاب؛ أو أخذ تبرك من ضريحه، وقبرٌ لم تجده الأجيال قبراً؛ بل وجدوه معلماً؛ يجدد كل حياة؛ بكل مضامينها؛ وقد أجاد الجواهري حيث قال:
تعاليت من مفزع للحتوف وبورك قبرك من مفزعي
تلوذ الدهور على جانبيه فمِن رُكَعٍ ومِن سُجدي[3]
وإلى مثل ذلك الكثير مما بدى أو خفى من مشاعر حب الإمام الحسين ومبادئه ورسالته.
وما حب الإمام الحسين عليه السلام إلا من حب الله تعالى الذي صرح به النبي صلى الله عليه وآله فعن سعيد بن أبي راشد عن يعلى العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى طعام دعوا له قال فاستمثل رسول الله صلى الله عليه وآله قال: عفان قال: وهيب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله أمام القوم، وحسين مع غلمان يلعب فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله؛ أن يأخذه قال: فطفق الصبي ههنا مرة وههنا مرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يضاحكه حتى أخذه قال: فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه فقبله وقال: ((حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط))[4] ؛ وحتى مسألة زيارة الإمام الحسين عليه السلام؛ فهي تعظيم، وتكريم، وتقديس لحبيب الله وحبيب رسوله، ومنفعة وافرة من الأجر والثواب لزائريه؛ قد شرعها للناس من جاء من بعد الإمام الحسين صلوات الله عليه؛ مِنَ الأئمة التسع المعصومين من ذريه الحسين عليهم السلام؛ فعن عن الأصم ، قال : حدثنا هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ، قال : أتاه رجل فقال له : يا بن رسول الله هل يزار والدك ، قال : فقال : نعم ، ويصلى عنده ، ويصلى خلفه ولا يتقدم عليه ، قال : فما لمن أتاه ، قال : الجنة إن كان يأتم به ، قال : فما لمن تركه رغبة عنه ، قال : الحسرة يوم الحسرة ، قال : فما لمن أقام عنده ، قال : كل يوم بألف شهر ، قال : فما للمنفق في خروجه إليه والمنقق عنده ، قال : درهم بألف درهم . قال : فما لمن مات في سفره إليه ، قال : تشيعه الملائكة وتأتيه بالحنوط والكسوة من الجنة وتصلي عليه إذ كفن ، وتكفنه فوق أكفانه وتفرش له الريحان تحته وتدفع الأرض حتى تصور من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال ، ومن خلفه مثل ذلك ، وعند رأسه مثل ذلك ، وعند رجليه مثل ذلك ، ويفتح له باب من الجنة إلى قبره ، ويدخل عليه روحها وريحانها حتى تقوم الساعة . قلت : فما لمن صلى عنده ، قال : من صلى عنده ركعتين لم يسأل الله تعالى شيئا الا أعطاه إياه ، قلت : فما لمن اغتسل من ماء الفرات ثم أتاه ، قال : إذا اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه ، قال : قلت : فما لمن يجهز إليه ولم يخرج لعلة تصيبه ، قال : يعطيه الله بكل درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات ويخلف عليه أضعاف ما أنفقه ، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه ويدفع عنه ويحفظ في ماله . قال : قلت : فما لمن قتل عنده جار عليه سلطان فقتله ، قال : أول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين ، ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر ، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ ايمانا ، فيلقى الله وهو مخلص من كل ما تخالطه الأبدان والقلوب ، ويكتب له شفاعة في أهل بيته والف من إخوانه ، وتولى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت ، ويؤتى بكفنه وحنوطه من الجنة ، ويوسع قبره عليه ، ويوضع له مصابيح في قبره ، ويفتح له باب من الجنة ، وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنة . ويرفع بعد ثمانية عشر يوما إلى حظيرة القدس ، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئا ، فإذا كانت النفخة الثانية وخرج من قبره كان أول من يصافحه رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأوصياء ، ويبشرونه ويقولون له : ألزمنا ، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي من أحب . قلت : فما لمن حبس في اتيانه ، قال : له بكل يوم يحبس ويغتم فرحة إلى يوم القيامة ، فان ضرب بعد الحبس في اتيانه كان له بكل ضربة حوراء ، وبكل وجع يدخل على بدنه الف الف حسنة ، ويمحي بها عنه الف الف سيئة ، ويرفع له بها الف الف درجة ، ويكون من محدثي رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يفرغ من الحساب فيصافحه حملة العرش ويقال له : سل ما أحببت . ويؤتى بضاربه للحساب ، فلا يسأل عن شئ ولا يحتسب بشئ ، ويؤخذ بضبعيه حتى ينتهى به إلى ملك يحبوه ويتحفه بشربة من الحميم وشربة من الغسلين ، ويوضع على مقال في النار ، فيقال له : ذق بما قدمت يداك فيما اتيت إلى هذا الذي ضربته ، وهو وفد الله ووفد رسوله ، ويأتي بالمضروب إلى باب جهنم ويقال له : انظر إلى ضاربك والى ما قد لقي فهل شفيت صدرك وقد اقتص لك منه ، فيقول : الحمد لله الذي انتصر لي و لولد رسوله منه))[5] .
وختماًَ نسأله القبول والتوفيق لزيارة الإمام الحسين صلوات الله تعالى عليه. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
الهوامش:
[1] : سورة آل عمران : الآيتان 169- 170
[2] البيت من قصيدة بانت سعاد، لزهير بن كعب؛ ينظر المستدرك للحاكم النيسابوري : ج 3 : ص 513
[3] : فهرس التراث لمحمد حسين الجلالي : ج 2 ص 683
[4] : مسند احمد بن حنبل : ج 4 ص 172
[5] : كامل الزيارات ل جعفر بن محمد بن قولويه: ص : 241