الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم، من جزيل عموم ابتداها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها، جم عن الاحصاء عددها والصلاة والسلام على خير خلقه المبعوث الأمجد المصطفى المؤيد أبي القاسم محمد عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار أتم التسليم والصلاة.
أما بعد..
لا يخفى على عاقل مدى التزوير والتدليس الذي أصاب التاريخ الإسلامي وخصوصا الذي كتب بيد أعداء أهل البيت، فقد تناقلت بعض المصادر التاريخية روايات وحوادث تخص السيدة سكينة بنت الحسين التابعية الزاهدة المفترى عليها في كتب التاريخ حيث ينقلون عنها اخبارًا تستحي الأمة، هذه سيدة الأحرار وحفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنرى صاحب كتاب الاغاني الذي أفحش كثيرا في ذكر أخبارها من باب أنها صاحبة ذوق نقدي و حس أدبي ولم يدري أنه أسقط من أراد العلو لها، ودحض تلك الروايات التي لا تليق للسيدة سكينة بنت الحسين، من البيت العلوي الهاشمي الذي تحفه الملائكة من كل جانب وتقدمه العفة ويغطيه الإيمان .
سكينة بنت الحسين كانت من أعلم النساء وأظرفهن، وأحسنهن أخلاقا، هاشمية مدنية، وأمها الرباب بنت امرئ القيس الكلبية، ولدت عام (40 ه - 660 م).
وشهدت مع أبيها حادثة كربلاء سنة (61 هـ)، ثم رحلت إلى الكوفة ثم إلى دمشق ثم عادت مع أهلها إلى المدينة، وكانت سيدة نساء عصرها[1].
روى أبو السائب الكلبي أخبرني خلف الزهري قال: ماتت سكينة بنت الحسين بن علي وعلى المدينة خالد بن عبد الله بن الحارث بن الحكم فقال انتظروني حتى أصلي عليها وخرج إلى البقيع فلم يدخل حتى الظهر وخشوا أن تغير فاشتروا لها كافورا بثلاثين دينارا فلما دخل أمر شيبة بن نصاح فصلى عليها[2].
روت عن أبيها وكانت بديعة الجمال تزوجها ابن عمها عبد الله بن الحسن الأكبر فقتل مع أبيها وكانت شهمة مهيبة[3].
وروى أرباب المقاتل كيف ودعت أبيها يوم الطف، إذ لما ودع الإمام الحسين النساء كانت سكينة تصيح فضمها إلى صدره وقال:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منك البكاء إذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة ما دام مني الروح في جثماني
وإذا قتلت فأنت أولى بالذي تأتينه يا خيرة النسوان[4]
ومما ورد عنها أن السيدة سكينة بنت الحسين عليه السلام قالت : يا يزيد رأيت البارحة رؤيا إن سمعتها مني قصصتها عليك ، فقال يزيد : هاتي ما رأيتي ، قالت : بينما أنا ساهرة وقد كللت من البكاء بعد أن صليت ودعوت الله بدعوات ، فلما رقدت عيني رأيت أبواب السماء قد تفتحت وإذا أنا بنور ساطع من السماء إلى الأرض ، وإذا أنا بوصائف من وصائف الجنة ، وإذا أنا بروضة خضراء ، وفي تلك الروضة قصر وإذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلى ذلك القصر وعندهم وصيف ، فقلت : يا وصيف أخبرني لمن هذا القصر ؟ فقال : هذا لأبيك الحسين أعطاه الله تعالى ثوابا لصبره فقلت : ومن هذه المشايخ ؟ فقال : أما الأول فآدم أبو البشر ، وأما الثاني فنوح نبي الله ، وأما الثالث فإبراهيم خليل الرحمن ، وأما الرابع فموسى الكليم فقلت له : ومن الخامس الذي أراه قابضا على لحيته ، باكيا حزينا من بينهم ؟ فقال لي : يا سكينة أما تعرفه ؟ فقلت : لا ، فقال : هذا جدك رسول الله ، فقلت له : إلى أين يريدون ؟ فقال : إلى أبيك الحسين ، فقلت : والله لألحقن جدي وأخبرته بما جرى علينا ، فسبقني ولم ألحقه فبينما أنا متفكرة وإذا بجدي علي بن أبي طالب ، وبيده سيفه، وهو واقف فناديته : يا جداه قتل والله ابنك من بعدك ، فبكى وضمني إلى صدره ، وقال : يا بنية صبرا والله المستعان ، ثم إنه مضى ولم أعلم إلى أين ، فبقيت متعجبة كيف لم أعلم به ، فبينما أنا كذلك إذا بباب قد فتح من السماء، وإذا بالملائكة يصعدون وينزلون على رأس أبي ، قال : فلما سمع يزيد ذلك، لطم على وجهه وبكى، وقال: مالي ولقتل الحسين؟[5].
كانت السيدة الشريفة العفيفة التقية النقية سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) شهمة سخية كريمة، وكانت تجود بكل ما لديها من مال ، فإن لم يكن مال فبشيء من الحلي الذي تلبسه[6].
فسلام عليها وعلى أهل بيتها بيت النبوة ومعدن الرسالة ولعن الله من ظلمها وتكلم عنها بسوء. والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي:683.
[2] الطبقات الكبرى، ابن سعد: 8/475.
[3] سير اعلام النبلاء، الذهبي: 5/ 262.
[4]مناقب آل أبي طالب: 3/ 257.
[5] بحار الأنوار: 45/ 194- 195.
[6] ينظر: دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم، 18/ 13.