السَّيد نبيل الحسني.
الحلقة الأولى
لا يختلف الحديث عن النور الذي خلق الله منه النبي الأعظم وعترته (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الحديث عن الروح فقد أغلق الطريق أمام السالك وأوصدت أبواب الولوج إلى هذين العالمين من عوالم الخلق المتعددة كعالم الاشباح وعالم الذر، والاصلاب، والارحام، والبرزخ.
لا سيما وان الوحي في الذكر الحكيم قد ضرب الستار على عالم الروح، وأراح الاذهان من الدوران حول طلب المعرفة عنها فقال سبحانه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبى وَ مَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً﴾[1].
إلا أن الذي يبل ظمأ القلوب في معرفة أمر النور هو جملة من الأحاديث الشريفة التي تناقلها الرواة ودونها المصنفون وبينهّا العلماء والباحثون لا سيما انوار محمد وعترته الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين) ومنها نور فاطمة (صلوات الله وسلام عليها).
وعليه:
يكشف لنا الحديث الشريف – الاتي الذِّكر – خصوصيَّة خاصة بنور فَاطِمَة (عليها السَّلَام) فضلًا عن اتباع النَّبيّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) منهاجاً خاصاً في تعريف الناس بفاطمة على وجه الخصوص لأسباب عديدة من بينها أن ذلك الفعل النبوي كان يراد منه حفظ مقامها وعدم التعرض لحرمتها وانتهاك حدود الله في ذلك.
أما ما بيّنه النبي الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من كون وجودها (عليها السَّلَام) في عالم الأنوار والأرواح فكان كالآتي:
روى الشيخ الصَّدوق (رضي الله تعالى عنه) بسنده (عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن سدير الصيرفي، عن الصَّادِق جَعْفَر بن مُحَمَّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السَّلَام) قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((خلق نور فاطمة عليها السَّلَام قبل أن تخلق الأرض والسَّماء))، فقال بعض النَّاس: يا نبي الله فليست هي أُنسيَّة؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((فاطمة حوراء انسيَّة)).
قال: يا نبي الله وكيف هي حوراء أُنسيَّة؟ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((خلقها الله (عزَّ وجلّ) من نوره قبل أن يخلق آدم، إذ كانت الأرواح، فلمَّا خلق الله (عزَّ وجلّ) آدم عرضت على آدم)).
قيل: يا نبي الله، وأين كانت فاطمة؟ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((كانت في حقة تحت ساق العرش)).
قالوا: يا نبي الله، فما كان طعامها؟ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((التَّسبيح والتَّهليل والتَّحميد، فلمَّا خلق الله (عزَّ وجلّ) آدم وأخرجني من صلبه، أحب الله (عزَّ وجلّ) أن يخرجها من صلبيّ، جعلها تفَّاحة في الجنَّة، وأتاني بها جبرئيل (عليه السَّلَام) فقال لي: السَّلَام عليك ورحمة الله وبركاته يا مُحَمَّد؛ قلت: وعليك السَّلَام ورحمة الله حبيبي جبرئيل، فقال: يا مُحَمَّد، إن ربّك يقرئك السَّلَام، قلتُ: منه السَّلَام وإليه يعود السَّلَام، قال: يا مُحَمَّد، إنَّ هذه تفَّاحة أهداها الله (عزَّ وجل) إليك من الجنَّة، فأخذتها وضممتها إلى صدريّ، قال: يا مُحَمَّد، يقول الله (جلّ جلاله) كلّها؛ ففلقتها فرأيت نورًا ساطعًا ففزعت منه، فقال: يا مُحَمَّد، مالك لا تأكل؟ كلّها ولا تَخف فإنَّ ذلك النُّور المنصورة في السَّماء، وهي في الأرض فاطمة، قلت: حبيبي جبرئيل، ولِمَ سُمَّيتْ في السَّماء المنصورة، وفي الأرض فاطمة؟
قال: سُمّيت في الأرض فَاطِمَة، لأنّها فطمت شيعتها من النَّار وفَطَم أعداؤها من حبّها، وهي في السَّماء المنصورة وذلك قول الله (عزَّ وجلّ): ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُO[2]))[3].
ويشتمل الحديث على مسائل عده نعرضها في الحلقات القادمة...
الهوامش:
[1] الإسراء: 85.
[2] الرُّوم: 4-5.
[3] معاني الأخبار، الشَّيخ الصَّدوق: 396-397.