اعْلَمُوا.. أنِّي فاطِمَةُ

مقالات وبحوث

اعْلَمُوا.. أنِّي فاطِمَةُ

11K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 20-02-2020

عمَّار حسن الخزاعي
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...
(اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ) نداءٌ أطلقته الزهراء (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، في محضر الحاكم الأول مع لفيفٍ كبيرٍ من المهاجرين والأنصار، فيا تُرى ماذا كانت تقصدُ الزهراء (عليها السلام) من هذا النداء، وهل المسلمون في ذلك الوقت لم يعرفوا الزهراء حتَّى تُعرِّفهم بنفسها؟
ومن الملفت للنظر أنَّ الزهراء (عليه السلام) لم تكتفِ ببيان اسمها فقط؛ بل استرسلت وقالت: ((أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْعَلُ شَطَطاً: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم﴾ [التوبة: 128] فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ))([1])، وهنا في هذا النص تكشف الزهراء (عليها السلام) عن اسمها ثمَّ تُردف ذلك ببيان نسبتها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتُؤكِّد على تفرُّدها بنسبة البنوَّة من الرسول دون غيرها من النساء، ثمَّ بعد ذلك تُبيِّن العلاقة بين الرسول وزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) فتقول: ((وَأخا ابْنِ عَمِّي دُونَ رِجالِكُمْ))، وهنا أيضًا تؤكِّد تفرُّد الإخوَّة لأمير المؤمنين مع الرسول دون غيره من الرِّجال .
ولو أمعنَّا التفكير فيما قالته الزهراء (عليها السلام) نجدها بحسب الظاهر أنَّها ذكرت معلوماتٍ في غاية الوضوح، فهي تنصُّ على أنَّها فاطمة، وهي الابنة الوحيدة للرسول محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وأنَّ زوجها هو أخو الرسول بفعل المؤاخاة التي حضرها المسلمون الأوائل، ومع هذا كُلِّه فإنَّ الزهراء (عليه السلام) تؤكِّد على مصداقيَّة قولها فتقول: ((أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْعَلُ شَطَطاً))، فهل يوجد شخصٌ يُنكر هذه المعلومات، أو يشكُّ فيها؟ ولا سيَّما أنَّ الزهراء (عليها السلام) قالت هذا الكلام بعد وفاة الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، وهكذا أمور يجب أن تكون حاضرةً في ذهن كلِّ مسلمٍ في ذلك الوقت فضلًا على ذوي الشأنِ منهم .
ولكن يبدو أنَّ المسلمين قد تناسوا من هي الزهراء (عليها السلام)، وكيف هي من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وماذا يكون زوجها من النبي، والدَّليل أنَّها ظُلمت وسُلِب حقُّها وحقُّ زوجها أمام مرأى مسلمي ذلك العصر ومسمعهم، ولم يُحرِّكوا ساكنًا للنصرة الزهراء أو الوقوف بجنبها على أقلِّ التقادير إلَّا النفر القليل منهم، وهذا غرضٌ كافٍّ لتضمين الزهراء (عليه السلام) خطبتها بتعريفٍ لها ولزوجها وبيان علاقتهما بالرسول (صلَّى الله عليه وآله)، ويبدو أنَّ المسلمين تناسوا حتَّى فضلِ رسول الله عليهم، فقرعت الزهراء آذانهم بآيةٍ قرآنيَّةٍ تُذكِّرهم بأنَّ الرسول كان يشتدُّ الأمرُ عليه ويتألمُ فيما لو أصابتكم مشقَّة أو لحقكم ضرر، وكان يحرص أن لا يصيبكم إلَّا الخير والمنفعة، ومع ذلك كُلِّه رؤوف بكم ورحيم بأنفسكم، وذلك في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم﴾.
وإذا مازجنا بين التعريف الشخصي للزهراء (عليه السلام) لنفسها وزوجها مع دلالة هذه الآية الكريمة؛ فإنَّنا سنجد أنَّ الزهراء (عليها السلام) تُعاتب المسلمين على نسيانهم لفضل الرسول الذي كان يغتمُّ لمصائبهم ويحرصُ على منفعتهم؛ بل نجد أنَّهم قابلوا ذلك الإحسان بالإساءة عندما تخلَّوا عن ابنته وأخيه وتركوهما عُرضةً للسلطة تستضعفهم وتستولي على حقوقهم، وهنا تظهر القصديَّة من استعمال الزهراء (عليها السلام) للفظة (أبي) في قولها: (اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ)، وكذلك لفظة (الأخ) في قولها: (وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ)، مع إصرارها على تفرُّدها بالبنوَّة وتفرُّد زوجها بالإخوَّة، وكلُّ ذلك لتقول للمسلمين إنَّكم لم تحفظوا الرسول في أقرب النَّاس إليه (ابنته وأخيه) الوحيدينِ، وإذا لم تحفظوا الرَّسول في ابنته وأخيه فستحفظوه بمن، وهل تُقابل رحمته وحرصه وتألمه عليكم بترككم ابنته وأخيه أو كان الأجدر بكم مقابلة إحسانه بالإحسان إليهما على تقديرٍ؟ .
ومن هنا فإنَّنا نُقرع آذاننا وآذانَ جميع المسلمين بالقول: اعلموا أنَّها فاطمة.. ونستثمر ذكرى ولادتها الميمونة في استنهاض الهمم؛ لتصحيح المسار فننصرَ الزهراء وزوجها بالقول والفعل، ونعمل على أقلِّ تقديرٍ بردِّ جميل معروف رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فينا بأن أخرجنا من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان؛ ولا سيَّما وهو المطالب بذلك على لسان الربِّ في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى : 23]، ولا يوجد أقرب من الابنة والأخ .
اللهمَّ اجعلنا من خير الناصرين للزهراء وزوجها وذريَّتهما في الدُّنيا والآخرة .
الهوامش:
([1]) الاحتجاج، الشيخ الطبرسي (ت: 548 هـ): 1/134 .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.5540 Seconds