فوائد الصَّيام الروحية

مقالات وبحوث

فوائد الصَّيام الروحية

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 04-05-2020

الباحث: محمد حمزة عباس
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين . . .
للصيام فوائد كثيرة، منها: فوائد مادية، ومنها معنوية، فمن المادية صحة البدن، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (صوموا تصحوا)[1]، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الصيام أحد الصحتين)[2].
ومن فوائد الصِّيام الأخرى ما يمكن أن نصطلح عليه بالروحية، ويمكن أن نتلمَّس هذه الفوائد في قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في قوله الذي يشير به إلى فضل الصِّيام: (...ومُجَاهَدَةِ الصِّيَامِ فِي الأَيَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ، تَسْكِيناً لأَطْرَافِهِمْ وتَخْشِيعاً لأَبْصَارِهِمْ، وتَذْلِيلًا لِنُفُوسِهِمْ وتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ، وإِذْهَاباً لِلْخُيَلَاءِ عَنْهُمْ ... ولُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلًا)[3].
ولو أمعنَّا النظر في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) الآنف الذكر نجد أنَّه أشار إلى أنَّ الصِّيام يعمل على تسكين الجوارح بما يبعثه في النَّفس من طمأنينة وشعور بالعبادة والطاعة لله تعالى، والاحتياج له بفعل الجوع والعطش، وكذلك يعمل الصيام على تذليل النفس، وهذا ما بينه الامام بقوله (عليه السلام): (ولُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلًا)، وهنا نرى في الكلام كناية عن الجوع الشديد الذي يصيب الإنسان في بعض مراحل الصوم حتَّى يصل به الأمر أن تلصق بطنه وهي وعاء الطعام بمتونه من شدَّة فراغها من الغذاء، وهذا الأمر يؤدِّي إلى ذلِّ النَّفس؛ لأنَّ الجوع الشديد يذلُّ النَّفس ويجعلها خاضعة ساكنة لا تبتغي أكثر من شبعة بطنٍ، وهنا يجب التنبيه أنَّ المقصود ذُلِ الطاعة لله تعالى التي هي ارتقاء عباديٌّ بوجهها الآخر لا الذِلة بمعناها المؤدِّي إلى ذهاب الكرامة؛ لأنَّ المؤمن عزيزٌ عند الله تعالى .
وقد ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه حال نبي الله موسى (عليه السلام) الذي أصابه الجوع في بعض أيَّامه فقال: (وَإِنْ شِئْتُ ثَنَّيْتُ بِمُوسَى كَلِيمِ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله) إِذْ يَقُولُ: { رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[4]، وَاَللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ اَلْأَرْضِ، وَلَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ اَلْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَتَشَذُّبِ لَحْمِهِ)[5].
فالغاية من هذه العبادات الخشوع والخضوع والتذلل الى الله تعالى، وقمع التفاخر والكبر، وقد حكى سبحانه على لسان لقمان في قوله لابنه وهو يعظه: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[6].
وقال تعالى في آية أخرى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[7].
فالصيام جوع وعطش وإحساس بالضعف، ويكفي في ذلك إذلالاً وانكساراً، وبهذا يكون الإنسان بعيدًا كل البعد عن الكبر، وهذه من أهم فوائد الصيام؛ لأنَّ التكبر أساس العصبية.
وما جرى على إبليس (عليه لعائن الله) وطرده من رحمة الله خير واعظ لنا؛ إذ صغَّره الله وجعله مرجومًا مدحورًا، وكلُّ ذلك بسبب كبر ساعة واحدة، يقول الإمام: (فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّه بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَه الطَّوِيلَ وجَهْدَه الْجَهِيدَ، وكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّه سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ، لَا يُدْرَى أَمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الآخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ)[8].
وممَّا سبق يمكن أن نستنتج أنَّ من فوائد الصوم وسائر العبادات الأخرى قمع التفاخر والكبر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (اُنْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ اَلْأَفْعَالِ) يعني الصلاة، والزكاة، والصيام (مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ اَلْفَخْرِ وَقَدْعِ طَوَالِعِ اَلْكِبْرِ). أي أنَّ الصيام وسائر العبادات المفروضة تمنع هذه الأمراض النفسية بالتأثير على الإنسان.
وقد أكدت الأخبار أنَّ السُّمنة لها تأثيرات سلبية على الإنسان، سواء أكان من الناحية الجسدية أم النفسية، ولذا صار الصِّيام أحد الصحتين، ونختم بقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (...فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا ... وكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ، إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَدْ قَعَدَ بِه الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الأَقْرَانِ، ومُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ، أَلَا وإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، والرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، والنَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وأَبْطَأُ خُمُوداً)[9].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على سيِّد المرسلين وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين...
الهوامش:
[1] - الدعوات (سلوة الحزين) قطب الدين الراوندي: 76.
[2] - ميزان الحكمة، محمد الريشهري: 2 / 1686.
[3] - نهج البلاغة، الخطبة: 192 / 294 تحقيق صبحي الصالح.
[4] - القصص: 24.
[5] - نهج البلاغة الخطبة :160 / 226.
[6] - لقمان: 18.
[7] - القصص: 83.
[8] - نهج البلاغة، الخطبة: 192 / 287.
[9] - نهج البلاغة، رقم الكتاب: 45.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3234 Seconds