سَلَام مَكِّيّ خَضَيّر الطَّائِيّ
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، والصَّلَاة والسَّلَام على نبيّه مُحَمَّد وآله الأطهار خير الأنام... وبعد:
تُعد التقوى من المعايير التربوية والأخلاقيَّة الأساسية في الدِّين الإسلامي، ومن أمعن النظر والتَّركيز في كلام الإمام عَلِيّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، يلاحظ أنَّه (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) قد أشار إلى موضوع (التَّقوى) وأنَّه قد شغل حيزًا كبيرًا منه سواء في نهج البلاغة، أو غيرها، وقد أشار (عليه السَّلَام) إليها في الوصية الخالدة لابنه السّبط الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) في موارد عدة، حيث إنَّه يقول بعد ذكر جملة من الوصايا[1]: (وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللهِ[2](....
نفهم من كلام الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) في هذه الوصيَّة: أن التقوى من أرقى المنازل وأعظمها التي يجب علينا الوصول إليها وطالما قد مدحها الله تعالى في كتابه المجيد في آيات عدّة، التي تبيّن مقام المتقين وعلو درجتهم وقربهم من الله تعالى وقربه منهم، فقال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مع المُتَّقِين﴾[3]، ﴿إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾[4]، أو حُبِّه تعالى لهم، فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾[5]، أو من حيث انحصار قبول الدعاء فيهم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ﴾[6]، وغيرها من الآيات القرآنيَّة التي تبيّن عظمة التقوى ومنزلة المتقين[7].
فالتَّقوى هي: (جعل النفس في وقاية مما يخاف، والمراد بها بقرينة المقابلة في الآية بينها وبين الفجور التجنب عن الفجور والتحرز عن المنافي وقد فسرت في الرواية بأنها الورع عن محارم الله[8]، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النَّفس عمَّا يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روى: الحلال بين، والحرام بين، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه)[9].
) والتَّقوى فوق الإيمان بدرجة وقد وردت جملة من الأخبار فعن الْوَشَّاءِ عَنْ الرِّضَا (عليه السَّلام) قَالَ سَمِعْتُه يَقُولُ: (الإِيمَانُ فَوْقَ الإِسْلَامِ بِدَرَجَةٍ، والتَّقْوَى فَوْقَ الإِيمَانِ بِدَرَجَةٍ، والْيَقِينُ فَوْقَ التَّقْوَى بِدَرَجَةٍ، ومَا قُسِمَ فِي النَّاسِ شَيْءٌ أَقَلُّ مِنَ الْيَقِينِ)[10].
آثار التقوى:
فإنَّ التّمسّك والوصول إلى هذه المنزلة هو من المطالب القرآنية العظيمة، والأحاديث الشريفة قد أكدت على ذلك عبر كثير من الروايات المباركة وذلك لأهميتها وعظمتها وما فيها من الآثار على النّفس، فقد ورد من آثار التقوى: أنَّها شرف الآخرة[11]، روي عن النَّبيّ مُحَمَّد) صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): )شرفُ الدّنيا الغنى، وشرفُ الآخرةِ التقوى)[12].
ومنها: فوز المتقون في الجنَّة، وهذا نفهمه من قوله تعالى: ﴿وسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً﴾[13]، وإن التَّقوى تكون للمتَّقين كالحرز الذي يمنعهم من الانزياح إلى النّار، فوورد عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) إنَّه قال: (إنَّ التقوى في اليوم الحرز والجنة، وفي غدٍ الطَّريق إلى الجنَّة، مسلكها واضح وسالكها رابح)[14].
وإنَّها: الحصن الآمن للمتقين من الانجرار إلى فعل الموبقات، فقال أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) في إحدى خطبه: (اعْلَمُوا عِبَادَ الله، أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِيزٍ)[15]، وأنَّها أيضًا من أمنع الحصون بالنسبة للمؤمنين المتقين، روي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (أمنعُ حصونِ الدين التقوى)[16].
وإنَّها أيضًا: التقوى سبب صلاح إيمان المرء، كل عمل صالح، وذلك لأن لا يمكن للمؤمن الذي يتقي الله تعالى ويخافه ويخشاه، أن يفعل ما يؤدي به إلى غضب الله تعالى، وهذا ما نفهمه من قول أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام): )سببُ صلاحِ الإيمان التَّقوَى[17](.
وأنها من أسباب الفوز بالهداية وسعادة المرء المؤمن، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام(: )مَنْ غرسَ أشجار التّقى جنى ثمار الهُدى)[18].
وفي الختام: أن الحمدُ ربّ العالمين وصلَّى الله تعالى على سيِّدنا مُحَمَّدٍ وآلِه الطَّيِّبين الطَّاهِرِين والغرّ الميامين المنتجبين...
الهوامش:
[1] يُنظر: الملامح التربوية في نهج البلاغة- وصيَّة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) لولده الحَسَن (عليه السَّلَام) أنموذجًا، عماد الكاظمي: 28.
[2] نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه): خ31، تحقيق: صبحي الصَّالح.
[3] البقرة: 194.
[4] النحل: 128.
[5] التوبة: 4.
[6] المائدة: 27.
[7] يُنظر: الملامح التربوية في نهج البلاغة: 28.
[8] تفسير الميزان، السَّيِّد الطباطبائي: 20/297.
[9] المفردات في غريب القرآن، الرَّاغب الأصفهاني: 531.
[10] الكافي، الشَّيخ الكُليني: 2/51.
[11] الملامح التربوية في نهج البلاغة: 30.
[12] ميزان الحكمة، محمَّد الريشهري: 4/3630.
[13] الزمر: 73.
[14] ميزان الحكمة: 4/3627
[15] نهج البلاغة: خ157، تحقيق: صبحي الصَّالح.
[16] ميزان الحكمة: 4/3627.
[17] عيون الحكم والمواعظ، عليّ بن محمّد الليثيّ الواسطيّ: 281.
[18] بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي: 75/90.