علي فاضل الخزاعي
الحمدُ للهِ منزلِ الكتابِ ومجري السحابِ وهازمِ الأحزاب، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيزِ الوهابِ أنعم بالطاعات وأثاب، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا محمدٌ رسول الله وآله (صلوات الله عليه وعليهم) أولي الألبابِ، ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم المآبِ.
أمَّا بعد فإن بقاء الدين الإلهي على مر العصور مرتهن على ما تقدم في سبيله من تضحيات مقدسة، وعند تتبعنا للمدَّة الزمنية التي كان فيها أهل بيت النبوة (عليهم الصلاة والسلام) آنذاك، نراهم قد تسابقوا مع خيرة الصحابة على شرف نيل وسام الشهادة، كما هو معروف في التاريخ.
ومن هؤلاء الشهداء (الصحابي ميثم التمار) (رضوان الله تعالى عليه)، وهو من أجل أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، ومن الأركان التابعين، قُتِل في حب الإمام علي وأولاده (عليهم السلام)، صلبه الدعي بن الدعي، عبيد الله بن زياد بن أبيه لعنه الله، وكان الإمام الباقر (عليه السلام) يحبُّه حبًّا شديدا[1].
أطلعه الإمام علي (عليه السلام) على علم كثير وأسرار خفية من أسرار الوصية، فكان ميثم يحدث ببعض ذلك فيشك فيه قوم من أهل الكوفة، وينسبون للإمام عليٍّ (عليه السلام) إلى المخرقة والإيهام والتدليس[2].
وكان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يميز ميثم بنفيس العلوم ويطلعه على الأسرار حتى أنّه كان يذكر له دوماً ما يصنعه به ابن زياد من فظيع الأعمال وهو يقول: «هذا في اللَّه قليل»، وكان يصحبه أحياناً عند المناجاة في الخلوات، وعند خروجه في الليل إلى الصحراء فيستمع ميثم منه الأدعية والمناجاة[3].
ويعد التمار (رضوان الله تعالى عليه) من أعاظم الشهداء في التشيّع، نزل الكوفة، وله بها ذرية، كان ميثم التمار عبدا لامرأة من بني أسد فاشتراه الإمام علي (عليه السلام) منها وأعتقه وقال له: ما اسمك؟ قال: سالم، قال: أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن اسمك الذي سماك به أبواك في العجم ميثم، قال: صدق الله ورسوله وأمير المؤمنين، والله إنه لاسمي، قال: فارجع إلى اسمك الذي سماك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودع سالما، فرجع ميثم واكتنى بأبي سالم، فقال له الإمام علي (عليه السلام) ذات يوم: إنك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر منخراك وفوك دما فتخضب لحيتك، وتصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة، وأنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، وامض حتى أريك النخلة التي تصلب على جذعها، فأراه إياها، وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت، ولي غذيت، فلم يزل يتعاهدها حتى قطعت، ثم كان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يريد، ثم حج في السنة التي قتل فيها فدخل على أم سلمة أم المؤمنين فقالت له: من أنت؟ قال: أنا ميثم فقالت: والله لربما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكرك ويوصي بك عليا، فسألها عن الحسين فقالت: هو في حائط له، فقال: أخبريه أنِّي قد أحببت السلام عليه فلم أجده، ونحن ملتقون عند رب العرش إن شاء الله تعالى، فدعت أم سلمة بطيب فطيبت لحيته فقالت له: أما إنها ستخضب بدم، فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد، فأدخل عليه فقيل له: هذا كان آثر الناس عند علي، قال: ويحكم هذا الأعجمي؟! فقيل له: نعم، فقال له: أين ربك؟ قال: بالمرصاد للظلمة وأنت منهم، قال: إنك على أعجميتك لتبلغ الذي تريد؟ أخبرني ما الذي أخبرك صاحبك أنِّي فاعل بك؟ قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، قال: لنخالفنه قال: كيف تخالفه؟ والله ما أخبرني إلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله، ولقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه، وأني أول خلق الله ألجم في الإسلام، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد، فقال ميثم للمختار: إنك ستفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين فتقتل هذا الذي يريد أن يقتلك، فلما أراد عبيد الله أن يقتل المختار وصل بريد من يزيد يأمره بتخلية سبيله فخلاه، وأمر بميثم أن يصلب، فلما رفع على الخشبة عند باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان والله يقول لي: إني مجاورك، فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، قال: ألجموه فكان أول من ألجم في الإسلام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن بالحربة فكبر، ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دما، وكان ذلك قبل مقدم الإمام الحسين (عليه السلام) العراق بعشرة أيام)[4].
لذلك يعد الصحابي ميثم التمار (رضوان الله عليه) من الصحابة الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سبيل المحافظة على دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعوته، وفي سبيل تعزيز الصلة بين العباد وربهم، فبثوا لنا تراث النور والهداية، وها هو تراثهم يملئ شرق الأرض وغربها، على الرغم من كل محاولات طمس نورهم وإخفائه عن الناس، نجده يسطع متلألئا، وبشكل مطرد، منتظرا ظهور الإمام الثاني عشر، الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فكلما ازداد الظلم والجور، اقترب الوعد الحق بظهوره (عليه السلام).
والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] ينظر: مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني:2/160.
[2] ينظر: بحار الأنوار، العلامة المجلسي:34/302.
[3] ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: 1/537.
[4] ينظر: الغارات، إبراهيم بن محمد الكوفي: 2/ 296-297.