علي أولى برسول الله حيًّا وميِّتًا

الملازمة بين النبي والوصي عليهما السلام

علي أولى برسول الله حيًّا وميِّتًا

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 13-10-2020

عمَّا ر حسن الخزاعي

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وعلى آله الطيبين الطاهرين...  
لم يقف التلازم بين رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ووصيِّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) على مستوى حياة رسول الله؛ بل أسَّس (صلَّى الله عليه وآله) لمسألة التلازم بين النبوة والإمامة على طول مسار الحياة الدُّنيا إلى قيام السَّاعة، عبر مساراتٍ انتظمت على وفق منظومةٍ عقديَّةٍ ومعرفيَّةٍ لا يمكن للنَّفس المتحررة سوى الإيمان بها والتَّسليم إليها، وقد بدأ ذلك التأسيس قرآنيًّا عندما نزل قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214]، فجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشيرته ومعهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان أحدثهم سنًّا في حديث طويل ينقله أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أن قال ( صلى الله عليه وآله ): ((يا بنى عبد المطلب؛ إنِّي والله ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا قد جئتكم به، إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم، قال فأحجم القوم عنها جميعًا وقلت: وإنِّي لأحدثهم سنًّا وأرمصهم عينًا وأعظمهم بطنًا وأحمشهم ساقًا، أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثمَّ قال: إنَّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع))([1]). وهذا الأمر أكَّده رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحوادث أُخرى تثبيتًا للملازمة مع وصيِّه بعد وفاته، ومن تلك الروايات قوله: ((لكلِّ نبيٍّ وصي ووارث، وإنَّ عليًّا وصيي ووارثي))([2]) . ثمَّ أعطى النبي بعدًا تطبيقيًّا لمسألة الملازمة بينه وبين وصيِّه تتضمَّن مسرحَ آخر عهدٍ للنبيِّ بالدُّنيا، وهو حدث وفاته (صلى الله عليه وآله) وقد أوكل هذا الأمر بوصيِّه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال في روايةٍ عنه: ((يا علي أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي، يا علي، أنت تغسل جثتي وتؤدِّي ديني، وتواريني في حفرتي وتفي بذمَّتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا وفي الآخرة))([3]) . وفي هذا الحديث يبيِّن النبي عمق التلازم بين النبوَّة والإمامة، فيجعل البيان الذي كانت وظيفته فيما سبق إلى الإمام من بعده على مستوى امتداد المشروع، وهو وظيفة إلهيَّة لابدَّ أن يكون صاحبها مؤيَّدًا بمركزٍ إلهيٍّ عقدي، وبعد ذلك يُسند وظيفة تجهيزه ومواراة جسده الشريف إلى وصيِّه دون غيره؛ ليثبت للجمهور شدَّة التلازم بين آخر عهد للنبوَّة مع بداية أوَّل عهد الإمامة والخلافة، ثمَّ يختمها بالاتِّحاد بين الوظيفتين كما كان في الدُّنيا فيكون كذلك بالآخرة، وهو إسناد ووظيفة حمل اللواء الذي أُنيط بالوصيِّ في الدُّنيا ولا يخرج عنه في الآخرة .
وهذا المعنى أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى خطبه فقال: ((ولَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّه ولَا عَلَى رَسُولِه سَاعَةً قَطُّ، ولَقَدْ وَاسَيْتُه بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأَبْطَالُ، وتَتَأَخَّرُ فِيهَا الأَقْدَامُ، نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّه بِهَا، ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَى صَدْرِي، ولَقَدْ سَالَتْ نَفْسُه فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي، ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه (صلى الله عليه وآله) والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ مَلأٌ يَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ، ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ، يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَيْنَاه فِي ضَرِيحِه، فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِه مِنِّي حَيّاً ومَيِّتاً؟))([4]).
فأمير المؤمنين (عليه السلام) يشير إلى أحقيَّة التلازم وحصرها به فقط فيقول: (فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِه مِنِّي حَيّاً ومَيِّتاً)، فهو الأحقُّ برسول الله وملازمة مشروعه واتمامه من دون غيره .

ولم يتوقف النبي (صلى الله عليه وآله) عند حدود الترصين للملازمة بين النبوة والإمامة؛ بل انطلق إلى أبعد من ذلك في التأسيس للتلازم بين الإمامة من جهة وطاعة الله تعالى، وبذلك تأخذ الملازمة لونًا جديدًا من الوظيفة الإلهيَّة، وتصبح الإمامة فيها إحدى مكملات النبوَّة، التي لا يمكن أن تستقيم من دونها، وإذا ما تمَّ تجاوز الإمامة فإنَّ الإيمان بالنبوَّة لا ينفع شيئًا، وهذا من أعمق التلازم وأشدَّه، وفي هذا المفهوم وردت رواياتٌ كثيرة جدًّا منها قوله (صلى الله عليه وآله): ((أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله (عز وجل)، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله (عز وجل)، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله (عز وجل))([5])، ويمضي الرسول (صلى الله عليه وآله) بهذا التلازم الثلاثي (النبوة، الإمامة، طاعة الله تعالى) في توثيقه على جميع المستويات، ويجعل طريق الطاعة لله تعالى حصريًّا في حياته له (صلى الله عليه وآله)، وبعد مماته للإمام وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) بلا طريقٍ آخر مهما كانت وثاقته؛ لأنَّ طاعة الله تعالى منوطة بهذين الطريقين فقط، ولذلك عزَّز الرسول هذا التلازم الثلاثي ووثَّقه على رؤوس الأشهاد، وعدَّه جزءًا من التبليغ الذي لابدَّ منه، وحذَّر من يسير على خلافه بأنَّه سيموت ميتة جاهليَّة حتَّى وإن التزم بطرفين منه تاركًا الثالث، فالاعتقاد لابدَّ أن يكون متسلسلًا مع هذه الأصول الاعتقاديَّة، وهذا المعنى أشار إليه الرسول بقوله: ((ألا أرضيك يا علي؟ أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي، فمن أحبَّك في حياة منِّي فقد قضى نحبه، ومن أحبك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان، ومن أحبَّك بعدي ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه يوم الفزع، ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية يحاسبه الله بما عمل في الإسلام))([6]) . فالإيمان بالإمامة أسٌّ لا يستقيم الاعتقاد من دونه، وهو أمر إلهيٌّ أمر به النبيَّ (صلى الله عليه وآله)، ولذلك أصبحت ولاية عليٍّ متعلِّقة بولاية رسول الله، والأخيرة متعلِّقة بولاية الله تعالى، ولا تتحقَّق الولاية الإلهيَّة مالم يكن الطريق إليها معبَّدًا بالاعتقاد بالنبوة والإمامة، وهذا المعنى يشير إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: ((من آمن بي وصدقني فليتول عليًّا من بعدي، فإنَّ ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله، أمر عهده إلي ربِّي وأمرني أن أبلغكموه، ألا هل بلغت؟ فقالوا: نشهد أنَّك قد بلغت))([7]) . وعلَّة إلزام النَّاس بولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وذلك لكونه لا يفعل إلَّا ما يؤمر، وأمره من الله تعالى عن طريق النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذا دليل عصمته (عليه السلام) بأنَّه لا يفعل إلَّا ما يؤمر به، وبذلك تكون الهداية منوطةً به، وهذا المعنى أشار إليه النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيته لبريدة في قوله: ((يا بريدة؛ إنَّ عليًّا وليُّكم بعدي، فأحب عليًّا فإنَّه يفعل ما يؤمر))([8]) . ومن التوثيقات الأخرى لقضيَّة التلازم ما أورده رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من إخبار بالغيبيات لأمورٍ تقع بعده، وكان يأمرهم فيها بالاقتداء بعليٍّ (عليه السلام)، ومن تلك الأمور إخباره بالفتنة التي تقع بعده، وإرشادهم إلى الطريق القويم فيها، وهذا نجده في قوله (صلى الله عليه وآله): ((سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنَّه الفاروق بين الحق والباطل))([9]) . ومن ذلك أيضًا إخباره بأنَّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سيقاتل بعده، وحتَّى في هذه الحيثيَّة توجد ملازمة، ومكمنها أنَّ الرسول كان يقاتل على التنزيل، والأمير يقاتل على التأويل، وهذا نجده في قوله (صلى الله عليه وآله): ((أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلىّ يقاتل على تأويله))([10]) وهذا لإخبار الغيبي يعطي التلازم بعدًا يقينيًّا في النفوس التي قد يراودها الشَّك نتيجة ضعف الإيمان . والكلام في هذه الحيثيَّة طويل جدًّا، ولكنَّ المقام لا يسمح لنا بأكثر من ذلك، وخير ما نختم به القول رواية عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) يبيِّن فيها عمق التلازم بين الأركان الثلاثة التي أشرنا إليها سابقًا (النبوة، الإمامة، طاعة الله تعالى)، والرِّواية هي قوله في وصيَّةٍ للمسلمين بعده: ((أيُّها الناس إنَّ عليًّا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو وصيي، ووزيري، وأخي، وناصري، وزوج ابنتي، وأبو ولدي، وصاحب شفاعتي وحوضي ولوائي، من أنكره فقد أنكرني، ومن أنكرني فقد أنكر الله (عزَّ وجلَّ)، ومن أقرَّ بإمامته فقد أقرَّ بنبوتي، ومن أقرَّ بنبوتي فقد أقرَّ بوحدانية الله (عزَّ وجلَّ) . أيَّها الناس من عصى عليًّا فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله (عزَّ وجلَّ)، ومن أطاع عليًّا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله . أيُّها الناس من ردَّ على عليٍّ في قول أو فعل فقد رد عليَّ، ومن ردَّ عليَّ فقد ردَّ على الله فوق عرشه . أيُّها الناس من اختار منكم على عليَّ إمامًا فقد اختار عليَّ نبيًّا، ومن اختار عليَّ نبيًّا فقد اختار على الله (عزَّ وجلَّ) ربًّا . أيُّها الناس إنَّ عليًّا سيد الوصيين، وقائد الغرِّ المحجَّلين، ومولى المؤمنين، وليه وليي، ووليي ولي الله، وعدوه عدوي، وعدوي عدو الله . أيُّها الناس أوفوا بعهد الله في عليٍّ يوف لكم في الجنَّة يوم القيامة))([11])
والخلاصة ممَّا تقدَّم أنَّ التلازم ما بين (النبوة والإمامة وطاعة الله تعالى) لا يمكن الفصل فيه، ذلك أنَّ حاصل النبوَّة والإمامة طاعة الله تعالى، والطاعة لا تأتي إلَّا من طريقي النبوَّة والإمامة، وعلى ذلك يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) أولى النَّاس برسول الله (صلى الله عليه وآله) حيًّا وميِّتًا لكونه وصيَّه ووزيره وخليفته من بعده، والمبيِّن للدِّين بعد وفاته . نسأل الله تعالى أن نكون ممَّن يتمسَّك بهذا التلازم الثلاثي ويجعله أسًّا في اعتقاده لا يحيد عنه ولا يبتغي سواه..

 الهوامش:
([1]) تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري (ت: 310 هـ): 2/63 ، الأمالي، الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ): 583 ، كنز العمال، المتقي الهندي (ت: 975 هـ): 13/114 .
([2]) المناقب، الموفق الخوارزمي (ت: 568 هـ): 85 ، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر (ت: 571 هـ): 42/392 .
([3]) المناقب: 329 .
([4]) نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 311 .
([5]) بشارة المصطفى، محمد بن أبي القاسم الطبري (ت: نحو 525 هـ): 171 ، مجمع الزوائد، الهيثمي (ت: 807 هـ): 9/108 – 109 .
([6]) المعجم الكبير: 321 ، شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي (ت: 1411 هـ): 4/229 .
([7]) الأمالي، الشيخ الطوسي: 418 ، كنز العمال: 11/611 .
([8]) بشارة المصطفى، محمد بن أبي القاسم الطبري (ت: 525 هـ): 195 ،   تاريخ مدينة دمشق: 42/191 .
([9]) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (ت: 588 هـ): 2/287 ، المناقب، الموفق الخوارزمي (ت: 568 هـ): 105 .
([10]) فضائل الخمسة من الصحاح الستة، السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي (ت: 1410 هـ): 2/351 .
([11]) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق (ت: 381 هـ): 372 – 373 .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2886 Seconds