بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
«وَالْحَمْدُ لله الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كُرْسِيٌّ أَوْ عَرْشٌ، أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ، أَوْ جَانٌّ أَوْ إنْسٌ، لاَ يُدْرَكُ بِوَهْم، وَلاَ يُقَدَّرُ بِفَهْم، وَلاَ يَشْغَلُهُ سَائِلٌ، وَلاَ يَنْقُصُهُ نَائِلٌ»([1]) اللهم «اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ، عَلَى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الْخَاتمِ لِمَا سَبَقَ، وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ»([2])، وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
لم تشهد حادثة ــ حتى الآن ــ من حوادث ووقائع السيرة النبوية من الإخفاء والتضليل والتعتيم ما شهدته حادثة تكسير الأصنام في ليلة مبيت الإمام علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم. على الرغم من مرور 1442 سنة من ليلة وقوعها.
وعليه فكم هي كبيرة تلك الظلامة التي لحقت بتاريخ المسلم؛ بل: كم من الظلم أنزله هؤلاء الجناة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما ضيعوا جهوده وجهاده في محاربة الوثنية وإعلاء كلمة التوحيد؟!
وكم هو محارب صاحب هذه الليلة منذ أن بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظهور ولده المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟!
وأي ضحية أكبر من التاريخ الإسلامي الذي نهشت فيه أنياب أولئك الجناة الذين شروا الدنيا وباعوا الآخرة بثمن بخس ــ فإنا لله وإنا إليه راجعون ــ.
1 ــ فمنهم من عتم عليها كليا كالبخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، وابن ماجة، وغيرهم.
2 ــ ومنهم من ذكر الحادثة ولكنه عتم على تعيين الليلة، وعلى هوية الصنم الذي كسره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام علي (عليه السلام) أي: اكتفى بذكر الحادثة فقط مما جعل صعوبة كبيرة في تشخيص زمان الحادثة؛ أهو قبل الهجرة، أم في عام الفتح، أي: اتباع المشهور في أن عملية تكسير الأصنام إنما كانت محصورة في عام فتح مكة فقط، ومن ثم تم تضييع هذه الحقيقة المتعلقة بمرحلة زمنية مهمة من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مرحلة ما قبل الهجرة.
وهؤلاء الذين اكتفوا بذكر الحادثة فقط, هم:
أحمد، والنسائي، وابن أبي شيبة، والموصلي، والزيلعي.
3 ــ ومنهم من عتم على الليلة وصرح بهوية الصنم؛ مما دفع بالقارئ إلى الاعتقاد بأن الحادثة مرتبطة بفتح مكة، وهؤلاء هم:
ابن أبي شيبة، والحاكم النيسابوري، والخطيب البغدادي.
4 ــ ولم يصرّح بهذه الحقيقة سوى الحاكم النيسابوري ــ جزاه الله عن المسلمين خيراً ــ إلا أن اتباع المسلمين للمشهور في حادثة تكسير الأصنام وانحصارها عندهم في عام الفتح جعلهم يعتمدون على ذلك دون أن يتبادر لديهم إمكانية وقوعها قبل عام الفتح وتحديداً قبل الهجرة.
وهذا نص الرواية التي أخرجها الحاكم في المستدرك على الصحيحين:
فعن علي ــ عليه السلام ــ أنه قال:
«لما كان الليلة التي أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبيت على فراشه وخرج من مكة مهاجراً، انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأصنام فقال: «اجلس»، فجلست إلى جنب الكعبة ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على منكبي ثم قال: «انهض». فنهضت به، فلما رأى ضعفي تحته قال: «اجلس».
فجلست، فأنزلته عني، وجلس لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال لي: «يا علي، اصعد على منكبي»، فصعدت على منكبيه ثم نهض بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخيل لي أني لو شئت نلت السماء وصعدت إلى الكعبة وتنحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فألقيت صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض.
فقالي لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عالجه».
فعالجته، فما زلت أعالجه، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ايه، ايه».
فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه.
فقال: «دقه».
فدققته فكسرته ونزلت»([3]).
والحديث يحدد بوضوح السنة التي وقعت فيها حادثة تكسير الأصنام قبل الهجرة النبوية المباركة، بل يحدد الحديث الليلة أيضاً، وهي ليلة مبيت الإمام علي عليه السلام على فراش رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما عزم على الخروج من مكة مهاجراً إلى المدينة.
وعليه:
إنّ اختيار هذه الليلة ــ تحديداً ــ أي ليلة المبيت على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخروجه من مكة مهاجراً هو بحد ذاته يطرح العديد من الأسئلة منها:
أولاً: ما هي الحكمة في جمع النبي 0صلى الله عليه وآله وسلم) الخروج وتكسير صنم قريش الأكبر ومبيت الإمام علي عليه السلام في ليلة واحدة والقوم يتهيؤون لقتله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
ثانياً: كيف سيترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وحده يواجه طواغيت قريش حينما يكتشفون ما جرى لصنمهم الأكبر؟
ثالثاً: ما هو أثر هذه العملية النفسي والاجتماعي والعقدي في المجتمع المكي عامة وقريش خاصة ؟
رابعاً: ما هي آثارها المستقبلية في المنافقين؟ وكيف سيتعاطون مع الامام علي بن أبي طالب(عليه الصلاة والسلام) وقد كسّر ما تؤمن به قلوبهم؟
وغيرها من الأسئلة التي احتاجت إلى مجموعة من العنوانين للإجابة عليها([4])
الهوامش:
[1]) نهج البلاغة بتحقيق الشيخ قيس العطار: ص404: طبعة العتبة العلوية.
[2]) المصدر السابق: ص170.
([3]) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج3، ص5.
[4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ما أخفاه الرواة من ليلة المبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وآله)، للسيد نبيل الحسني: ص58-61.