بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
قد يبدو العنوان فيه نوع من الغرابة أو الاستفهام لدى القراء الكرام الذين لم يتخذوا من المدرسة الإمامية وفكرها مذهباً عقدياً وتعبدياً يتقربون به إلى الله تعالى ويقبلون به إليه في يوم الحشر:
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا }([1]).
وذلك أن هذه الشخصية قد منحها الله تعالى من الكرامات والخصائص ما لم تحظَ به امرأة من العالمين من أمها حواء عليها السلام وإلى آخر امرأة يحشرها الله تعالى.
فهي مع ما اختصت به ذاتها المباركة، ابنة سيد الأنبياء والمرسلين الوحيدة([2])؛ وزوجة سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأم الحسن والحسين سبطي هذه الأمة وريحانتي النبي من الدنيا وسيدي شباب أهل الجنة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فضلاً عن ذلك فقد عاشت في زمنٍ هو خير الأزمان، وفي قرن هو خير القرون([3])، وبين البدريين وأهل حنين فكيف يكون لها مصائب ومحن؛ وهي لم تبقَ بعد أبيها إلاّ أياماً قليلة، أربعين أو خمسة وسبعين.
أفتخون الدنيا بتلك السرعة بعباد الله المخلصين، أم تجور الأيام على الصالحين وأركان الدين؟!
إن إخبار النبي صلى الله عليه وآله بالغيبيات ومنها إخباره فاطمة وبعلها وبنيها عليهم السلام بما يجري عليهم من بعده، تعد من المسائل التي زخرت بها كتب الحديث الشريف حتى باتت من المسائل البديهية والعناوين الأساسية في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وأنها أحد الدلالات النبوية في اختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة؛ فمنها على سبيل الاستشهاد.
1 ــ أخرج مسلم في الصحيح عن أم سلمة وأحمد في المسند عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم قال لعمار:
«تقتلك الفئة الباغية»([4]).
وفي لفظ أحمد: (ويحك ابن سمية تقتلك الفئة الباغية)([5]).
ولقد استشهد عمار بن ياسر في معركة صفين حينما كان يقاتل مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حربه لزعيم الفئة الباغية معاوية بن أبي سفيان.
2 - أخرج أبن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«أيتكم صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت»([6]).
ولقد خرجت عائشة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام لقتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في البصرة في واقعة سميت بوقعة الجمل.
3 - أخرج الحاكم في المستدرك عن عوف بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة»([7]).
وفي لفظ:
«ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة»([8]).
وغيرها من الشواهد التي تحدث فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الغيبيات فكان من بينها حديثه صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل بيته وعترته فاطمة وعلي والحسن والحسين عما ينزل عليهم من البلايا والمصائب وتكالب القوم عليهم قتلاً ونهباً وتشريداً.
فكان منها -أي من هذه الأحاديث- ما أخرجه الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قال:
«قال بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ التفت إلينا فبكى فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟
فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي، فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسن، في الفخذ والسم الذي يسقى، وقتل الحسين.
قال: فبكى أهل البيت جميعاً، فقلت: يا رسول الله ما خلقنا ربنا إلا للبلاء، قال: أبشر يا علي، فإن الله عزّ وجل قد عهد إليّ أنه لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»([9])([10]).
الهوامش:
([1]) سورة الإسراء، الآية: 71.
([2]) إن حقيقة انجاب أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام لأربع بنات وهنّ: زينب، وأم كلثوم، ورقية، وفاطمة عليها السلام لم تثبت عند كثير من الباحثين والمحققين على الرغم من شهرة هذه المسألة وثبوتها عند الكثيرين من أتباع أهل الجماعة، أو عند الإمامية، ولقد وفقنا الله تعالى إلى البحث والتحقيق في هذه المسألة في كتابنا الموسوم (خديجة بنت خويلد اُمة جمعت في امرأة) فقادنا البحث إلى أن فاطمة صلوات الله عليها هي واحدة أبيها وأمها؛ وأن (زينب وأم كلثوم ورقية) هنّ بنات أخت خديجة عليها السلام اللاتي تكفلت بهن خالتهن خديجة وقد نشأن في كنف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورعايته فهنّ بمنزلة البنت؛ وللمزيد من الاطلاع فليراجع المجلد الأول من الكتاب فقد خصص معظمه للبحث والتحقيق في هذه المسألة، والله ولي التوفيق.
([3]) صحيح البخاري، كتاب الشهادات: ج3، ص151؛ والحديث غريب مع الواقع الذي عاشه المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد انتهكت حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوذي أشد الأذى في عترته وذريته، فضلاً عن اختلاف الصحابة، وتقاتلهم، وتكفير بعضهم لبعض كما يشهد التاريخ والسيرة ومصنفوها.
([4]) صحيح مسلم، باب تقوم الساعة حتى يمر الرجل: ج8، ص186.
([5]) مسند أحمد: ج3، ص5، من حديث أبي سعيد الخدري.
([6]) المصنف لابن أبي شيبة الكوفي، في مسيرة عائشة: ج8، ص711؛ فتح الباري لابن حجر: ج13، ص46؛ مسند ابن راهويه: ج2، ص33.
([7]) مستدرك الحاكم: ج4، ص430؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج10، ص208.
([8]) مسند أحمد: ج2، ص333؛ سنن ابن ماجه: ج2، ص1321؛ سنن أبي داود: ج2، ص390.
([9]) الأمالي للصدوق: ص134.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: هذه فاطمة وهي روحي التي بين جنبي، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة، قسم الشؤون الفكرية والثقافية. ص7-13.