سلام مكي خضير الطائي
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، أبي القاسم مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، والغرِّ الميامين المُنتَجَبِين...
أما بعد...
فإنَّ لكل إمام (عليه السَّلَام) في المجتمع دورًا بارزًا مكملًا لدور الأَنبياء والمرسلين (عليهم السَّلَام) الذين سبقوه، فهو (عليه السَّلَام) سيسير على منهجهم، وهو الذي يهدف لبناء الإنسان الصالح في المجتمع الإسلامي؛ لأَنّ النبي أو الإمام هو شاهد منتخب من لدن عالم الغيب، ومنصب لقيادة زمام أمور المجتمع من لدن الله تعالى، ويتحمل في عالم الشهادة مسؤولية تأسيس أُمَّة صالحة من الداخل، بعد أن يغرس في أعماقها كلَّ معاني القيم والمُثُل الفاضلة، ثم قيادتها على وفق القوانين السماوية؛ للوصول بالمجتمع إلى أعلى المستويات في التوحيد المتكامل.
وعليه فمشروع الأَنبياء (عليهم السَّلَام) وأوصيائهم، وخاتمتهم الأئمة الاثني عشر (عليهم السَّلَام) في صياغة الإنسان وتربيته وصنعه، يتم عبر التعامل مع تلك المقومات الإنسانية التي ذكرنا بشكل إنساني، وليس كالفلاسفة الذين يتعاملون ويتجاذبون مع العقول المجردة.
ومن الأئِمَّة (عليهم السَّلَام): الإمام مُحَمَّدٍ بن عَلِيّ الهَادِيّ (عليهما السَّلَام)، فكان ذا منهجٍ مستقيمٍ امتدادًا لمنهج آبائه وجدّه أمير المؤمنين (عليهم السَّلَام)، في التوجيه الإرشادي والتربوي لأبناء المجتمع الإسلامي، فأعطى كثير من الدروس والعبر والمواعظ الأخلاقية والإرشاديَّة والتربوية، وحارب كل ما يسوء المجتمع من عادات وتقاليد تجر به نحو التهلكة، فروي عنه (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (راكب الشهوات لا تستقال له عثرة)[1]. وهذ الحكمة فيها درس تربوي يهدف إلى إرشاد أبناء الأمَّة نحو الطريق السَّليم، والتحذير من إنجرار الفرد إلى رغباته وشهواته، التي لا بد من أن يندم جراء استجابته لشهوته ونزوته من دون أن يفكر في عواقب هذا الفعل.
فيحذرنا الإمام (عليه السَّلَام) في كلامه أعلاه من اتباع شهوات النفس؛ وذلك لأنها هي السبب وراء ارتكاب كثير من المعاصي والذنوب، ولذلك من الضروري أن يسعى الإنسان جاهدًا لمقاومتها وضبطها؛ لأنَّ في طاعتها إطاعة لعدو الإيمان الشيطان الرجيم، وهذا ما نفهمه من كلام الإمام مُحَمَّدٍ بن عَلِيّ الجواد (عليهما السَّلَام)، وذلك قوله: (من أطاع هواه أعطى عدوه مناه)[2]. وقد اعتنى الإسلام ونبيّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأَئِمَّة الطَّاهرين (صلوات الله عليهم) بالجانب العملي في حياة الإنسان بالأخلاق وتزكية النفس وتحليها بالصفات الجميلة، ومجاهدة الصفات السيئة وتربيتها على كبح جماح كثير من رغباتها غير المشروعة.
وعلى الفرد أن يصارع في حياته المختلفة بعض الشهوات، ولاشكَّ أنَّ كبح جماح هذه الشهوات يشكل تحدٍّ للإنسان الذي يطمح إلى الارتقاء والكمال. قال الله سبحانه وتعالى ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾ [40 – 41 النازعات]. فالإنسان الذي يكون حليمًا ويتعظ ممَّا يتعرض إليه في حياته من مواقف، وكانت نفسه عزيزة عليه، هانت عليه شهوته ورغبته، فروي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته)[3].
فبناء الخلُقُ يتوقف على تأديب النفس، وتأديبها متوقف على مجاهدتها في كثير من مشتهياتها. وهناك العديد من الأحاديث المروي عن الإمام الجواد عن آبائه، عن جدِّه أمير المؤمنين (عليهم السَّلَام)، فيها توجيهًا إرشاديًا وتربويًا، لكن هذا ما يسعنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، صلَّى الله تعالى على سيّدنا مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، والغرّ الميامين المُنْتَجَبِين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيامِ يوم الدِين، إنَّه سميعٌ علِيم...
الهوامش:
[1] بحار الانوار، العلامة المجلسي: 67/78.
[2] مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي: 10/390.
[3] بحار الانوار، العلامة المجلسي: 67/78.