سلام مكي خضير
الحمد لله الواحد الأحد، والصَّلَاة والسَّلَام على أبي القاسم مُحَمَّدٍ وآله خير الأمد.
وبعد...
لا يخفى على كل من طالع سيرة السَّيِّدة زينب الحوراء بنت أمير المؤمنين (عليهما السَّلَام)، يجدها امتدادا لنساء البيت النَّبويّ المُحَمَّديّ، فهي مثال يقتدى به لكل امرأة مسلمة مؤمنة، محافظة على عفتها.
والعفّة واحدة من أمّهات الفضائل الأخلاقية الأربع (العفّة، الشجاعة، الحكمة، والعدالة)، وتبنى عليها الحياة الإنسانية والاجتماعية، لذا كان لهذه الفضيلة الأخلاقية آثار جليلة تنعكس على الشخصية الإنسانية في الدنيا والآخرة، قال رسول الله (صلَّى الله تعالى عليه وآله): (كثر ما تلج به أمتي الجنة، تقوى الله وحسن الخلق)[1]، وحسن الخلق هو خلق الله الكريم، وهذا ما جاء عن النَّبيّ الأكرم مُحَمَّدٍ بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله)، بقوله: (حسن الخلق: خلق الله الأعظم)[2]، وقد جاء في اللغة أنّها[3] "الكفّ عمّا لا يحلّ ويَجمُلُ[4].
فالسَّيِّدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السَّلَام) من أهم نماذج العفيفات التي قدمها الإسلام بعد السَّيِّدة الزَّهْرَاء (عليها السَّلَام) وقد بلغت من الحرص على الحجاب والستر حدّا كبيرا ، ولا عجب فإن الحجاب والعفاف رافق حياة هذه المرأة العظيمة.
كانت (عليها السَّلَام) خير امرأة تجسدت فيها كل معاني العفة الإسلامية والستر والحجاب، فكان لها الدور في التأثير في نفوس المؤمنات، بالاقتداء بعفتها وصبرها وتحملها بعض المسؤوليات التي تكون على عاتقها، كتربية الأبناء تربية صحيحة وبث الوعي الديني بين أفراد العائلة الواحدة، وغيرها.
فمن المؤكد أن من تربى في بيت النّبوّة والرّسالة، ومن منح الأخلاق والصفات الحسنة، يستلهم ذلك من أفراد هذا البيت الطّهر، فولدت السَّيِّدة زينب (عليها السَّلَام) في البيت النَّبويّ وعاشت في عائلة معصومة مكونة من أبوين وأخوين (عليهم السَّلَام)، فتربت وتغذت لبن الإيمان والتقوى والزهد والعفة في هذه البيت النقي التقي، فقال الله تعالى في محكم كتابه مخاطباً صاحب هذا البيت، نبيّه مُحَمَّدٍ (صلَّى الله تعالى عليه وآله): ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم﴾[5].
ولقد تكاملت نواحي العظمة في شخصية السَّيِّدة الحوراء زينب (عليها السَّلَام) فتجسدت فيها معالي الصفات ومكارم الأخلاق، وذلك هو سر تفردها وخلودها وإنما تتحدد قيمة الإنسان ومكانته حسب ما يتمتع به من مواهب وكفاءات، ويترشح عنه من فضائل وأخلاق وشخصية السَّيِّدة زينب (عليها السَّلَام) زاخرة بالمواهب العالية، وسيرتها طافحة بالمكارم الرفيعة وعبر تلك المواقف والأحداث التي تعرضت لها تجلت لنا كفاءات السيدة زينب (عليها السَّلَام) وعظمة شخصيتها، وتبدي لنا من نورها المضيء، وأفقها الرحيب بقدر ما كانت أبصارنا تستوعب الرؤية والنظر[6].
فيجب على جميع النساء السير على منهج هذه العقيلة الطاهرة (عليها السَّلَام) والاقتداء بها، والتحصن بحصنها وعفتها وقوة إيمانها، التي لم تترك صلاتها ومناجاتها لله تعالى حتى في يوم فجيعة كربلاء الأليمة...
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلَّى الله تعالى على سيِّدنا ونبيّنا مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين...
الهوامش:
[1] الوافي، الفيض الكاشاني: 4/240.
[2] الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي: 1/574.
[3] دلال العكيلي، السيدة زينب (عليها السَّلَام) ونهضة الأخلاق: 1.
[4] لسان العرب، ابن منظور: 9/ 253.
[5] القلم: 4.
[6] ينظر: دلال العكيلي، السيدة زينب (عليها السَّلَام) ونهضة الأخلاق: 1.