رواية الفضائل في خلافة الإمام علي عليه السلام/ الحلقة الخامسة: رواية فضائله عليه السلام بعد انتهاء معركة صفين

فضائل الإمام علي عليه السلام

رواية الفضائل في خلافة الإمام علي عليه السلام/ الحلقة الخامسة: رواية فضائله عليه السلام بعد انتهاء معركة صفين

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-05-2021

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
إن محاربة معاوية لفضائل الإمام علي عليه السلام في هذه المرحلة المبكرة من الصراع كان لها جملة من الأسباب، منها:
معرفة بعض أهل الشام بهذه الفضائل مما قد يشكل عائقاً أمام معاوية لإنجاز ما عوّل عليه من قتال الإمام علي.
- إلتفاف أصحاب الإمام علي حوله، وافتخارهم بفضائله وسوابقه، مقابل هجاء معاوية الذي لا يساويه ولا يدانيه[1].
- إن الفضائل والمناقب التي امتاز بها الإمام علي (عليه السلام) كانت تجعله أهلاً لخلافة المسلمين ورئاستهم، بينما معاوية طليق ابن طليق لا تحل له الخلافة[2].
فتضمنت خطة معاوية في محاربة الفضل وسيلتين هما:
أ–محق الفضائل.
ب–إثارة قضية تفضيل الخلفاء الثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان) على الإمام علي كخطوة أولى، ومن ثم التمهيد لتفضيل نفسه على الإمام علي أو على الأقل المساواة معه.
وفيما يتعلق بمحق الفضائل، توسل معاوية إلى ذلك بعدة وسائل منها: الدعاية المضلّلة، ولصق التهم المنفرة بالإمام علي مثل:
1- اتهامه بقتل الخليفة عثمان بن عفان: فعندما سأله أبو مسلم الخولاني[3] وعدد من قراء أهل الشام قبل مسيره إلى صفين: ((يا معاوية علامَ تقاتل علياً، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته؟ قال لهم:... ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً؟...))[4].
وأمر معاوية بعض اتباعه أن يسير في مدائن الشام، وأن ينادي فيهم: ((أن علياً قتل عثمان))[5].
وعلى ذلك قاتلت قبائل الشام مع معاوية، فنادى في بعضهم أبو شجاع الحميري وكان من ذوي البصائر مع الإمام علي فقال: ((يا معشر حمير، تبت أيديكم، أترون معاوية خيراً من عليّ؟ أضلَّ الله سعيكم. ثم أنت يا ذا الكلاع[6] فوالله إن كنا نرى أن لك نيّةً في الدين. فقال ذو الكلاع:... والله فاعلمنّ ما معاوية بأفضل من عليّ، ولكن إنما أقاتل على دم عثمان...))[7].
وبعد أن تم ذلك لمعاوية كتب إلى الإمام علي: ((ولعمري ما مضى لك من السابقات لشبيهٌ أن يكون ممحوقاً؛ لما اجترأت عليه من سفك الدماء...))[8].
2- القول بإلحاد الإمام علي وخروجه عن الدين: فكان يقول في آخر كل خطبة: ((اللهم أن أبا تراب[9]، ألحد في دينك، وصدَّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلا، وعذبه عذاباً أليما))[10].
لقد انطلت هذه المكيدة على كثير من الناس، وراجت في المجتمع الشامي؛ وكانت الوسيلة الناجعة لمحق فضائل الإمام علي وحمل ذلك المجتمع على سب الإمام والبراءة منه، فكانوا يسهبون في ذمه، ومن أمثلة ذلك جواب أحد جنود معاوية في صفين لهاشم بن عتبة المرقال عندما اعترض الأخير على ما سمعه من ذلك الجندي من لعن الإمام علي وسأله عن الذي حمله على ذلك فقال: ((فإني أُقاتلكم لأن صاحبكم لا يُصلي كما ذُكر لي، وأنكم لا تصلون، وأُقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه...))[11].
3- اتهام الإمام علي (عليه السلام) بالنفاق: وقد سار بعض أتباع معاوية بدعاياته المضلّلة، يحشدون الناس له ضد الإمام علي بإلصاق هذه التهمة به ومنهم: عمرو بن ثابت الذي كان يركب ويدور القرى بالشام ويجمع أهلها ويقول: ((أيها الناس، إن علياً كان رجلاً منافقاً، أراد أن ينخس برسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة فالعنوه، فيلعنه أهل تلك القرية؛ ثم يسير إلى القرية الأخرى، فيأمرهم بمثل ذلك))[12].
ومما يلفت النظر هذا الكذب السافر على الإمام علي وتشويه المناقب العلوية بهذا البهتان البيّن، فقد روى كثير من أرباب الحديث عن جماعة من الصحابة قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ ببغض علي بن أبي طالب[13].
واتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال للإمام علي: ((لا يحبك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق))[14].
ومع ذلك فقد تجرأ معاوية وأتباعه على التضليل بهذه المطاعن بقصد التعتيم على شخصية الإمام علي، معوّلين على جهل أغلب أهل الشام بفضائله ومنزلته في الإسلام[15].

الهوامش:
[1] وسنقدم نموذجاً واحداً من أمثلة كثيرة على ذلك، وهي أبيات قالها النجاشي في الرد على معاوية:

فقل للمضلّل من وائلٍ

 

ومَنْ جعل الغَثَّ يوماً سمينا

جعلتم علياً وأشياعه

 

نظير ابن هند ألا تستحونا

إلى أول الناس بعد الرسول

 

وصنو الرسول من العالمينا

وصهر الرسول ومَنْ مثله

 

إذا كان يوم يُشيب القرونا

المنقري، صفين، ص59.
[2] ينظر: ابن أبي طالب، نهج البلاغة، ص474 الكتاب رقم 17، ص488 الكتاب رقم 28. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: ((هذا الأمر [أي الخلافة] في أهل بدر ما بقي منهم أحد... وليس فيها لطليق، ولا لولد طليق، ولا لمسلمة الفتح شيء)). ابن الأثير، أسد الغابة، 5/204.
وقد قارع عدد من الصحابة معاوية بهذا النقص، وتكرر وصفه بالطليق في كلماتهم، تعبيراً عن ازدرائه والحط من شأنه منهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وقيس بن سعد. ينظر: المنقري، وقعة صفين، ص63، ص314، ص415، ص449؛ البلاذري، انساب الاشراف، 5/115؛ الخوارزمي، المناقب، ص257–258.
وقال الإمام علي(عليه السلام) في رده على مبعوثي معاوية من أهل الشام وغيرهم: ((... وخلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقةً في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، طليقٌ ابن طليق، وحزبٌ من الاحزاب، لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدواً هو وأبوه، حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين، فعجباً لكم ولإجلابكم معه، وانقيادكم له، وتدعون أهل بيت نبيكم (صلى الله عليه وآله)، الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم، ولا أن تعدلوا بهم أحداً من الناس)). المنقري، صفين، ص201.
[3] هو عبد الله بن ثوب من أهل الشام، من التابعين، حمل أحد رسائل معاوية إلى الإمام علي في صفين، وكان إلى جانب معاوية فيها، توفي إبان حكم يزيد بن معاوية.
ينظر: المنقري، صفين، ص85–86؛ ابن قتيبة، المعارف، ص250؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 4/588.
[4] المنقري، صفين، ص85.
[5] المصدر نفسه، ص50. وقد حاول معاوية أن يستميل بهذه التهمة حتى أتباع الإمام علي، ينظر: موقفه من الوفد الذي أرسله الإمام علي إليه يدعوه إلى الطاعة. المصدر نفسه، ص198.
[6] وهو سميفع بن ناكور يعود نسبه إلى حمير، أدرك الإسلام، وقُتل في صفين مع معاوية وقال شاعر العراق في قتله:

فإن تقتلوا الصقر بن عمرو بن محصن

 

فأنا قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
ابن دريد، الاشتقاق، 2/525.
[7] المنقري، وقعة صفين، ص302.

[8] المنقري، وقعة صفين، ص110.
[9] أبو تراب: كنى النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام علياً (عليه السلام) بأبي تراب، وقد اختلفت الروايات في سبب ذلك، وفي كلها يتبين أنها كانت مدحاً للإمام علي (عليه السلام) لا ذماً، ومع ذلك فقد أراد معاوية والأمويون عامة أن يسلبوا ذلك العبق النبوي الذي أحاط بهذه الكنية، وإفراغه من محتواه الحقيقي، وتحويلها من منقبة حسنة إلى صفة مذمومة.
للاطلاع على كل ذلك ينظر: البخاري، الصحيح، ص659؛ النسائي، خصائص أمير المؤمنين، ص210؛ الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ص116–117.
ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/54–55؛ الجابري، السياسة الأموية، ص64–67.
[10] ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/45.
[11] المنقري، وقعة صفين، ص354.
[12] ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/80.
[13] ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين علي، ص251، ص298؛ الترمذي، السنن، ص979.
[14] الترمذي، السنن، ص982؛ النسائي، خصائص أمير المؤمنين، ص155.
[15] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 56-61.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2825 Seconds