بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
إن المواجهة بين علي عليه السلام والخوارج تكمن في اختلاف وجهتي نظرهما من نواحٍ عدة فكرية تضمنتها صحيفة التحكيم بعد إقرارها، ويمكن تبيان ذلك الخلاف من خلال نقاط ثلاث هي:
1ـ مفهوم تحكيم القرآن كما نصت عليه الصحيفة: فقد تأول الخوارج ما جاء في صحيفة التحكيم بشأن رجوع الحكمين إلى القرآن فيما اختلف طرفا النزاع فيه، على أنه تطاول على القرآن بقبول علي عليه السلام تحكيم الرجال فيه والوصاية عليه[1]. وهو تأويل ينم عن قصور في نظرتهم الفكرية تجاه استنباط الأحكام من القرآن الكريم. وقد حاول علي عليه السلام ان ينبههم لذلك بقوله «أنا لم نحكم الرجال، وإنما حكمنا القرآن، وهذا القرآن هو خط مستور بين الدفتين، ولا ينطق بلسان، ولا بد له من ترجمان، وانما ينطق عنه الرجال... وقد قال الله سبحانه:
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ}، ورده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ان نأخذ بسنته»[2].
فصحيفة التحكيم لم توكل للحكمين الوصاية على كتاب الله، بل جعلتهما ناطقين فيما اختلف الفريقان عليه، مما يعني الخطأ في فهمهم لمقولة «لا حكم الا الله» لأن الله سبحانه قد أمضى حكم المخلوقين في كثير من الشرائع باستنباط الأحكام مما نص القرآن عليه.
2ـ إسقاط علي عليه السلام حقه في الخلافة بتخليه عن لقب أمير المؤمنين في الصحيفة: ويرى علي عليه السلام ان موافقته على محو اللقب من تلك الوثيقة لا يغير من واقع كونه الخليفة الشرعي وهو بعملة ذلك انما أخذ بسابقة حدثت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قبل، فقد وافق صلى الله عليه وآله وسلم من محو لقب (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صحيفة صلح الحديبية، نزولاً عند رغبة الكفار، مما يعني ضمنا اعتبار علي عليه السلام بني أمية في عداد المنافقين الذين اظهروا الإسلام واسروا الكفر، مثلهم مثل الكفار الذين كتب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم معهم صحيفة صلح الحديبية[3])[4].
الهوامش:
[1] راجع بذلك الشأن الدينوري: الأخبار الطوال ص 196، 197.
[2] خطب 125. والاية من سورة النساء/59.
[3] راجع محو النبي (صلى الله عليه وآله) اسمه من صحيفة الحديبية، نزولا عند رغبة قريش وقوله لعلي (لتبتلين بمثلها). ابن الأثير الكامل في التاريخ 2/138، ثم راجع موقف علي (عليه السلام) من كتابة وثيقة التحكيم، والجدل الذي دار بينه وبين عمرو بن العاص حين وافق على محو امرة المؤمنين من اسمه. صفين 508، الأخبار الطوال ص 194، شرح ابن أبي الحديد 2/532.
[4] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 280-281.