بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
لما يئس الإمام علي عليه السلام من اقناع البقية الباقية من الخوارج، تركهم وما هم عليه، متجنباً الدخول معهم أية حرب، فأجرى لهم الأرزاق مثلهم مثل غيرهم من المسلمين الداخلين في طاعته، شريطة ألا يثيروا أي مشاكل[1]، وكان غرضه تحييدهم، حتى يتسنى له التفرغ إلى معاوية مصدر الخطر الرئيسي على دولة الإسلام. لكن اصرارهم على المكابرة وتماديهم في العصيان والتأليب، ومقاطعته أثناء صلاته[2]، ووصمهم إياه بالكفر في ملأ المسلمين[3]، جعله ينذرهم مصوراً ما سيؤولون إليه، إن هم لم يرتدعوا[4]، لكنه في النهاية لم يجد بداً من الدخول معهم في معركة كادت تستأصلهم[5]، بعد أن أحدثوا أحداثاً تأولوها لا يمكن السكوت عنها.[6].
موقف علي عليه السلام من الخوارج بعد فراغه من محابتهم:
إن محاربة علي عليه السلام الخوارج وانتصاره عليهم، لم يسلبهم حقوقهم الشرعية في الوقت الذي كان يحض فيه على مقاومة الأمويين، فقوله «لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه»[7]، هو من قبيل المقارنة بين موقفه من الخوارج اللذين «لم يطلبوا الباطل بكونه باطلاً، بل طلبوا الحق بالذات، فوقعوا بالباطل، ومن لم يكن غرضه الا الحق لم يجز قتله»[8]، وبين معاوية المشار إليه في المقولة (بمن طلب الباطل فأدركه).
موقف الإمام علي عليه السلام من مناوئيه عامة:
اتخذت سياسة علي عليه السلام من مناوئيه موقفين مختلفين، فقد اعتبر محاربته لأصحاب الجمل ولأهل الشام من الفئة القرشية من قبيل ازاحة الباطل واحقاق الحق بالعودة بتعاليم الإسلام إلى أصالتها التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
أما محاربته لمناوئيه من الخوارج، فلقد كانت من أجل تطهير صفوفه وتوحيد جبهته الداخلية للتفرغ للعودة لأهل الشام. وهو ان استطاع ان يحسم قضيته مع الخوارج جزئيا، الا انه لم يتمكن من الوصول إلى غايته من مواجهته لقريش، التي كانت إرادتها ان تكون جبهة واحدة تتصدى لكل من يعرض مصالحها الذاتية للخطر كائناً من كان)[9].
الهوامش:
[1] بشأن إجراء أرزاق الخوارج، راجع قول علي عليه السلام عند البلاذري أنساب الأشراف 2/359. وجاء عند المبرد: الكامل 3/11 قول علي عليه السلام بشأن الخوارج «لا أُقاتلهم حتى يقاتلونني».
[2] حول مقاطعته في صلاته راجع ابن أبي الحديد 2/268و311، أما بشأن اتهامه بالكفر، فراجع استنكاره عليهم ذلك في خطب 57، وتعقيب الخارجي على حديث علي عليه السلام في حكم 428. وبشأن تحذيره لهم راجع خطب 36.
[3] انظر الهامش السابق.
[4] المصدر السابق.
[5] كان ذلك في معركة النهروان سنة سبع وثلاثين هجرية. راجع تاريخ الطبري 5/84 وما بعدها.
[6] راجع مثلاً تأولهم قتل عبد الله بن خباب، وقتلهم الخنزير: أنساب الأشراف 2/367 وما بعدها.
[7] خطب 60.
[8] ميثم البحراني: شرح النهج 2/155.
[9] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 284-286.