من الفكر السياسي عند الإمام علي عليه السلام منهجه في التعامل مع قريش. الحلقة الأولى: جذور النفوذ لقريش في مكة

مقالات وبحوث

من الفكر السياسي عند الإمام علي عليه السلام منهجه في التعامل مع قريش. الحلقة الأولى: جذور النفوذ لقريش في مكة

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 31-10-2022

بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

وبعد:
على الرغم من صعوبة الحياة، وجفاف الأرض وقلة المطر في ارض الحجاز فلقد تمكن القرشيون من تكوين مجتمع مستقر حول بيت الله الذي كانت العرب تؤمه من كل حدب وصوب وبفضل ذلك الاستقرار وقدسية الأرض تبوأت الحجاز مكانة ستراتيجية هامة، إذ أصبحت همزة وصل لأهم طرق التجارة الصحراوية بين الشام واليمن والحبشة وفارس، فانتعشت الحياة في مكة، فقد افادها الاستقرار في نمو تجارتها الخاصة المعتمدة على أسواقها الموسمية[1] التي يحضرها العرب لشراء ما يحتاجونه ومقايضة سلعهم بسلع اخرى، بالإضافة إلى عرضهم على قريش ما جادت به قرائحهم من أشعار، والتحاكم إليها وإلى قبائل العرب الأخرى بشأنها[2]. ولأهمية التجارة في حياة قريش، فقد عقدت اتفاقيات سلام مع كل الممالك والامبراطوريات المجاورة، «فكان هاشم يؤلف ملك الروم، أي يأخذ منه حبلاً وعهداً يأمن به تجارته إلى الشام، واخوه عبد شمس كان يؤلف إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن ونوفل إلى فارس»[3] فتدفقت بسبب ذلك الثروات على الحجاز مما جعل قريشاً في بحبوحة من العيش والرخاء، فتولد عن ذلك التفاوت في طبقات المجتمع، فانقسم «في القرن السادس للمسيح إلى ثلاث فئات: الأولى قريش ولها كل الحقوق، والثانية حلفاء قريش وهم اناس من العرب، والثالثة العبيد الذين لا يملكون شيئا حتى أنفسهم»[4]وعادة ما يؤدي مثل ذلك الانتعاش الاقتصادي إلى الميل إلى الاستقرار والدعة وتجنب التغيير، كما ان الميل إلى المادة والتمرس بأعمال التجارة يتعارض والتقلبات الاجتماعية. لذلك رفض القرشيون الإسلام رفضاً قاطعاً، وقاوموه بضراوة، وتتبعوا مؤيديه والمؤمنين به بالتعذيب والقتل والسجن والتشريد، كل ذلك في سبيل ابقاء المجتمع المكي مستقراً في حياته الرتيبة التي ورثها الأبناء عن الآباء أجيالاً متعاقبة، خاصة ان عقلياتهم التجارية التي تضع المادة نصب العين كانت ترى في الرسالة زعزعة للاستقرار وتغييراً في التركيبة الاجتماعية تفقدهم مكانتهم التي تبوأتها كعقيدة دينية سمحة من أهم مبادئه المساواة بين الناس بمحو التفاضل والتفاخر وازالة التفاوتات الاجتماعية بالاتجاه نحو عبادة إله واحد، هو رب لكل البشر، مما يعني ان رعايتهم لما في الكعبة من اصنام سيزول، وستزول معه وصايتهم على أديان العرب، لذلك وقفت في وجه الإسلام جبهة متحدة، وقاومته بالمال والحرب مقاومة شعواء منذ بزوغ نوره، ولم تسلم بالأمر الواقع إلا بعد أن رأت جيوش الإسلام قد أحاطت بشعاب مكة، فكان دخولها الإسلام رهبة لا رغبة، فخمدت العصبية القرشية وبقيت جذوتها في النفوس متقدة نقمة على الهاشميين، وبالأخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليهم السلام متحينة الفرصة ولو بعد حين)[5].

الهوامش:
[1] حول تعامل قريش واسواقها، راجع: كحالة: معجم قبائل العرب 3/949.
[2] من ذلك قول ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1/101 «كان النابغة يضرب له قبة حمراء من آدم بسوق عكاظ، فتاته الشعراء فتعرض عليه اشعارها».
[3] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 20/204.
[4] مغنية: التفسير الكاشف 7/612.
[5] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 286-288.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2652 Seconds